إلياس سركيس: حين يُعلّم الغياب معنى الحضور - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إلياس سركيس: حين يُعلّم الغياب معنى الحضور - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 02:03 مساءً

بوابة الكويت -  بهاء شحادة


في زمن الأزمات المتقاطعة، لا بد من العودة إلى مراحل سياسية سابقة شهدها لبنان فطبعت تاريخه الذي يبقى المعلّم الأكبر، لأن فيه العِظات والعِبَر، وهو مؤشّر للحاضر والمستقبل.

 

كان ذلك قبل أيام في لقاء مع صديقي المحامي أنطوان زخيا، الذي كان لي شرف معرفته في جامعة الحكمة يوم كان أستاذ مادة القانون لشهادة الماستر في العلوم السياسية. وكما في كل لقاء معه أجد فرصة ثمينة للتعلّم من تاريخ لبنان السياسي، خصوصًا حين نعرض معًا أحداث هذا الزمن الدقيق، فأنهل ما استطعت من أفكاره النابعة من تجربته السياسية الطويلة، إن في فريق عمل الرئيس الراحل إلياس سركيس، أو مع البطريرك مكسيموس الخامس حكيم.

وفي الذكرى الأربعين لرحيل الرئيس سركيس، استذكرت مع الأستاذ زخيا ظروف تولّي هذا الرئيس الصامت الرئاسة، يوم كان لبنان يعاني تفككًا داخليًا وانهيارًا مؤسساتيًا في خضمّ الحرب الأهلية.

 

هنا، كان التأثّر واضحًا على وجه صديقي، إذ بدا أن السؤال جعل شريط الذكريات يمرّ أمامه دفعة واحدة،فاستعاد المشهد كما لو أنه يحصل الآن.

قبل تسعة وأربعين عامًا، تسلّم إلياس سركيس مقاليد الحكم في لبنان على أنقاض دولة منقسمة وممزّقة. انتُخب في قصر منصور عام 1976، في وقت ساد الظلام بسبب توقّف معامل الكهرباء، وانقسم الجيش إلى ميليشيات طائفية، بينما كانت الطرق مقطوعة بالحواجز المسلّحة وجبال من السواتر الترابية، وقصر بعبدا أطلالاً مدمّرة، فجرى التسليم والتسلّم في القصر البلدي في زوق مكايل.

 

إلياس سركيس (مواقع)

 

وفي خضمّ هذه الفوضى، انطلق سركيس في رحلة البحث عن الجمهورية الضائعة، واستطاع بعد أشهر قليلة إعادة الكهرباء إلى بيروت، ووحّد الجيش اللبناني مرة أخرى بمعنويات عالية وإرادة صلبة، متحديًا الضغوط العسكرية والسياسية المحيطة، ومن بينها الجيش السوري الموجود تحت غطاء "قوات الردع العربية".

لكنّ مسيرة بناء الدولة لم تكن سهلة، وعاجلته الأزمات الكبرى التي كانت باكورتها معركة الفياضية بين الجيش اللبناني الطريّ العود عام 1978، حيث صمد الجيش الموحّد أمام المحاولات السورية لاقتحام الثكنة، وانتهى الموضوع باتفاق وقف نار، العبرة فيه أن القرار الوطني الذي يجسّده الجيش اللبناني باقٍ فوق كل اعتبار.

وخلال الاجتياح الإسرائيلي لمنطقة جنوب الليطاني عام 1978، نجح سركيس في حشد دعم دولي صدر بنتيجته قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 الذي نشر قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) في الجنوب.

 

وعندما أراد إرسال الجيش اللبناني لفرض السيادة، رغم طلب إسرائيل وأميركا عدم القيام بذلك، أصرّ على القرار الوطني، وأمر الجيش بالصمود في بلدة كوكبا تحت القصف الإسرائيلي، شاهِرًا بذلك موقفًا سياديًا صارمًا.

حرب زحلة وبيروت عام 1981 لم تكن أقلّ تحديًا، إذ تصدّى الجيش اللبناني للجيش السوري وأجبره على التراجع. لكن الأزمة الأكبر نشأت مع الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت عام 1982، وحتى إلى قصر بعبدا بقيادة وزير دفاع العدو آنذاك آرييل شارون، إلا أنّ سركيس رفض التفاوض معه ولو تحت الضغط، وأبى لقاء أي من قادة الاحتلال، متمسكًا بسيادة لبنان وكرامته الوطنية.

على مدى ست سنوات من حكمه، ووسط ضغوط داخلية وخارجية هائلة، حافظ سركيس على ثباته وقراره، مدعومًا بفريق عمل ضخم ضمّ فؤاد بطرس، ميشال إده، غسان تويني، فيكتور وميشال الخوري، جوني عبده، داود الصايغ، مع كوكبة أخرى آثرت البقاء في الظل لكنها كانت خلية النحل التي لا تهدأ.

وعندما طالبه فيليب حبيب بتمديد ولايته، رفض بشدّة المساس بالدستور، مؤكدًا موقف الرئيس فؤاد شهاب من قبل، الذي قال لمطالبيه بالبقاء في الرئاسة: “هناك 100 فؤاد شهاب، لكنّ هناك دستورا واحدا لا يُمسّ".

وفي حديثنا، ختم الأستاذ زخيا كلامه بعيدًا من التنظير وبكثير من الفخر بإشارته إلى أنّ ذكرى إلياس سركيس ليست مجرد تأبين، بل دعوة مستمرة للتفكير في كيفية مواجهة أزمات اليوم بشجاعة وإرادة وطنية.

 

فغياب الرجل عن الساحة لم يُضعف حضوره، بل جعل من تاريخه رمزًا للمواقف التي يجب أن تُستلهم في زمن الأزمات، وها إنّ غيابه أصبح شكلاً من أشكال الحضور.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق