كرامة بلا حقوق - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كرامة بلا حقوق - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 11 يوليو 2025 02:19 مساءً

بوابة الكويت - أناقش في مقالين متتاليين، سقوط بعض المسلّمات بصفتها مسلّمات، أي مجموعة من المقولات التي جرى الاستسلام لصحّتها والترويج لها لدرجة تحوّلها الى أفكار سائدة ومهيمنة على الفكر والقناعات لفترة طويلة من الزمن خاصةً بعد سيطرة الأنظمة العربيّة العسكريّة على المشرق العربي. أفهم معنى السقوط بأن هذه المسلّمات لم تعد قادرة على الصمود أمام المراجعة الحتميّة حتى ولو لم تتبلور بعد البدائل الفكريّة، مع اعتقادي انه ليس من الضروري أن تتبلور حتى نعترف بسقوطها.

المسلمّة الأولى التي أتناولها في هذا النص هي ان "كرامة المواطن هي من كرامة الوطن أو الامة."

كان الدفاع عن كرامة الأمة - الكرامة الوطنيّة أو الكرامة العربيّة أو الكرامة الإسلاميّة – العنوان العريض لإيديولوجية الأنظمة العربية ومعها نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية. وقد حصل خلط بين كرامة الأمة وكرامة المواطن، وأصبحت الثانية ملازمة للأولى، بمعنى ان كرامة الأمة تفترض حكماً كرامة المواطن.

الكرامة في تعريفها هي صفة ملتصقة بالفرد الإنسان: إنها "قيمة جوهريّة للإنسان، تعني انه يستحق الاحترام والتقدير لمجرد كونه إنسانًا، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى"، والاعتبارات الأخرى يمكن ان تكون جنسيّة أو طبقيّة أو وطنيّة أو قوميّة أو أتنيّة أو دينيّة...

وفي هذا السياق، إذا كان لا بدّ من معنى لكرامة الأمة فهي أنها مجموع كرامات كل فرد من أفرادها، وليست كرامة مستقلّة عنها.

كرامة الإنسان متأصّلة فيه، كونه إنسانًا من لحم ودم، أما كرامة الأمة فتحتاج الى جذور أخرى إذا ما أردنا إعطاءها معنىً مستقلاً عن كل فرد من أفرادها. بما يتعلّق بموضوعنا، على هذه الجذور ان تكون متأصّلة مثلاً، في "الوطنيّة" أو في "القوميّة" أو في "الدين". لذلك ان كرامة المواطن (الفرد – الإنسان) ليست بالضرورة من كرامة الأمة. فقد يجري الإعلاء من شأن كرامة الامة، باسم الوطنية أو القومية أو الدين، على حساب كرامة الفرد، أي على حساب حياته أو معيشته أو حقوقه. تجارب "الدفاع عن كرامة الامة"، جاءت في الواقع على أنقاض حياة ومعيشة وحقوق المواطن العربي والايراني.

"الكرامة الإنسانيّة" هي لبّ النزعة الإنسانيّة التي تتجاوز لا بل تتناقض في الكثير من الأحيان مع النزاعات الوطنيّة والقوميّة والدينيّة. والترجمة العمليّة للنزعة الإنسانيّة هي في احترام حقوق الإنسان. ويُلاحظ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن الكرامة البشريّة وحقوق الإنسان متلازمين. فنقرأ بديباجة الإعلان "لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصّلة في جميع أعضاء الأسرة البشريّة وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحريّة والعدل والسلام في العالم..."، كما تحسم المادة الأولى من الإعلان التلازم بين الكرامة والحقوق لحد التطابق: "يولد جميع الناس أحرارًا ومتساويين في الكرامة والحقوق".

كرامة الامة تقفز فوق الفروقات والتمييزات العمريّة والجنسيّة والطبقيّة والاتنيّة وغيرها، وتصب في نهاية الأمر في صالح الطبقة الحاكمة، التي تجني ثمار تسلّطها أيام السلم وتحصد الإنتصارات الوهميّة أيام الحرب، فيما يدفع المواطنون من أرواحهم وأشغالهم وممتلكاتهم ثمن محافظة الطبقة الحاكمة على سلطتها باسم الحفاظ على كرامة الوطن أو الأمة أو الدين.

التمييز بين كرامة الامة وكرامة أفرادها حمل لواءه "الربيع العربي" عندما انتفضت الشعوب على حكّامها رافعةً شعارات الكرامة والحريّة والديمقراطيّة والحقوق المعيشيّة. لكنّها عادت وانكفأت عنوةً بفعل الثورة المضادة التي قادتها الأنظمة أو متفرعاتها، كما حصل في الموجة الأولى في مصر وسوريا واليمن وليبيا وفي الموجة الثانية في السودان والجزائر ولبنان. رغم هذه الانكسارات بقيت "حقوق الإنسان" في أجندة الأحزاب السياسيّة والحركات الاجتماعيّة المعارضة.

لكن بعد حرب الإبادة على غزة، وكردة فعل على موقف الحكومات الغربية المؤيّدة في البدايات لإسرائيل، حصل ما يشبه بالإزدراء بكل ما يتّصل بــ"حقوق الإنسان" على أساس ان هذه الحكومات المتواطئة مع فعل الابادة، تروّج لهذه الحقوق على كافة المستويات الوطنيّة والدوليّة، كذلك من خلال الجمعيات المدنيّة التي تدعمها وتموّلها حول العالم.

سبق ان أشرت في مقال آخر، الى ان ردّة الفعل هذه هي في غير محلّها: أولاً لأن "حقوق الإنسان" في الغرب جرى الإعلان عنها وحمايتها نتيجة نضالات شعوب هذه البلدان في صراعاتها مع حكوماتها وخاصةً في مرحلة الاستعمار الغربي لمنطقتنا العربيّة؛ ثانيًا لأن شعوب هذه المنطقة وعلى عكس شعوبنا، لا زالت حتى اليوم تحتج في الشوارع على الحرب على غزة وتطالب حكوماتها بالضغط على إسرائيل لا بل بمقاطعتها عسكريًّا وإقتصاديًّا وسياسيًّا.

باختزالنا الغرب بحكوماته، وبتعميم حكمنا على شعوبه، نخلط بين "الغرب" ومواطنيه المتمسكين بحقوق الإنسان، تماما كما خلطنا بين كرامة الامة وكرامة المواطن.

رغم ذلك لا بد أن تتكشف اكثر بعد الحروب، التناقضات بين كرامة الأمة وكرامة المواطنين، ودوافع السلطة او التنظيمات المسلحة وسياساتها الخاطئة. تسقط الكثير من المسلّمات في الحروب وبعدها، لكن ثمن السقوط يكون غاليًا جدًّا. وهذا ما يترافق اليوم مع هزيمة "محور الممانعة" وانعكاساتها في كل من إيران ولبنان وسوريا وفلسطين. وكأن سقوط وهم "كرامة الأمة" يعيد الحاجة والقدرة عند المواطنين على تفقّد كراماتهم الشخصيّة.

هذه الانتكاسة في العلاقة بين الشعوب العربية و"حقوق الإنسان"، بفعل العدوانيّة الإسرائيليّة وتحيّز الحكومات الغربية، تساعدنا على التمهيد لمقاربة المسلّمة الثانية، القائلة بأن التصدّي للخارج هو أواويّة على التصدّي لمشكلات الداخل. وهذا ما طالما عُبِّر عنه من خلال التمييز بين "التناقض الأولي" و"التناقض الثانوي"، وهو موضوع مقالتنا التالية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق