نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العرب بين واشنطن وطهران وتل أبيب: هل آن أوان الطّريق الثّالث؟ - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 09:03 مساءً
بوابة الكويت - د. سعود الشرفات
في اللحظة التي يبدو فيها أن الحرب بين إيران وأميركا، ومعها إسرائيل، قد وضعت أوزارها، أو على الأقل، تحولت إلى حرب باردة مؤطرة ومضبوطة الإيقاع، تخرج المنطقة العربية من هذا المشهد بلا مكاسب وبلا دور، وبكثير من الأسئلة المؤجلة. لا يخفى على أحد أن طهران لم تخرج من المعادلة، بل تتجه بثقة وثبات نحو ترسيخ حضورها كلاعب رئيس في الشرق الأوسط. فالتصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أكد فيها أنه لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني، لم تكن مجرد موقف تكتيكي ربما، بل تعكس فهماً أميركياً بأن أي تغيير جذري في طهران قد يفتح باباً لفوضى غير محسوبة، كتلك التي حدثت في العراق وليبيا وأفغانستان. لكن المفارقة أن هذا الحذر لم يمنع واشنطن من خوض مغامرات تغيير الأنظمة في دول عربية، مثل سوريا أخيراً، لكنّه ظل قائماً تجاه إيران.
في ضوء هذا الواقع، تبرز ثلاثة مسارات محتملة لعلاقة إيران بالولايات المتحدة: تحالف مصلحي، أو عداء مزمن، أو إذعان متبادل في إطار صفقة كبرى. وما يثير القلق أن العرب سيخسرون في كل هذه السيناريوهات. فالتحالف يُشرعن نفوذ طهران، والعداء يُوظّف العرب كوقود في حرب بالوكالة، أما الإذعان، فسيُترجم إلى صفقات تتجاوزهم وتُعيد ترتيب الإقليم من دون استشارتهم. والعرب، في هذه المعادلة، لا يجلسون إلى طاولة التفاوض، بل في مدرجات المتفرجين، يصفق كل طرف منهم للفريق الذي يشجعه. ومثل هذا الاصطفاف لا يصنع استراتيجية، بل يكرّس الغياب وضياع فرص التقدم والتنمية.
الأخطر من ذلك أن المواطن العربي، في معظم دوله، يُعامَل كما لو أنه مجرد تابع للرواية الرسمية. عقله مطلوب فقط لتبرير القرارات، ولسانه لتكرار الشعارات، ويداه للتصفيق، ورجلاه للسير في مواكب الطاعة والاحتفال. فكيف لمواطن منزوع الإرادة أن يشارك في صناعة قرار أو الدفاع عن دولة؟ كيف يُطلب منه أن يحمي وطناً لم يُمنح فيه حق التعبير عن رأيه أو المساهمة في مستقبله؟ لكن الأسوأ من تهميش المواطن هو الزجّ به في معركة ثنائية "مانوية" عبثية: إما أن يكون مع إيران أو مع أميركا، كما لو أن العالم لا يحتوي على حلول وسط، ولا يعرف سوى الأبيض والأسود. بينما المهم في المعادلة هو معرفة أنه "ليس مهماً لون القط ما دام يأكل الفئران" بحسب ما قاله ذات مرة الزعيم الصيني الراحل دنغ تشياو بينغ.
هذه الثنائية المانوية القاتلة، التي تأسر العقل العربي بين خيارين خارجيين، يجب كسرها. ليس من الضرورة ولا من المصلحة أن يكون العربي مع محور ضد آخر، بل أن يبحث عن "طريق ثالث"؛ طريق عربي مستقل، يضع مصلحة الشعوب قبل الإملاءات، ويُبنى على وعي عميق بالموقع والتاريخ والدور.
الطريق الثالث لا يعني الحياد السلبي أو الانعزال، بل التفاعل الواعي والمبادر. إنه خيار من يريد أن يكون شريكاً في المعادلة لا تابعاً لها. وهذا المسار ليس نزهة، بل مشروع طويل الأمد يتطلب إرادة سياسية شجاعة، ورؤية استراتيجية عابرة للأنظمة الموقتة والمصالح الضيقة. ربما يبدو هذا الطريق شاقاً، لكنه ليس مستحيلاً. فكما استطاعت دول كتركيا أو ماليزيا أو جنوب أفريقيا أن تجد لنفسها موقعاً مستقلاً في المعادلات الدولية، يستطيع العرب، إن توفرت لديهم الرغبة والإرادة،أن يفعلوا الأمر ذاته. فالعالم لم يعد يحتمل مزيداً من الأتباع، بل يبحث عن شركاء.
لقد آن الأوان لأن نتوقف عن العيش في ظل الآخرين، وعن التماهي مع صراعات لا تُنتج لنا أمناً ولا تقدماً. آن الأوان لنفكر في الأجيال القادمة، لا في ردود الفعل اللحظية. آن الأوان لأن يُسمع الصوت العربي، لا كصدى لمحاور الصراع، بل كندٍّ يبحث عن توازن واحترام العالم. ليس المطلوب من العرب إعلان الحرب على أحد، بل بناء مشروع عربي واقعي، يحمي الكرامة والسيادة، ويُعلي من شأن المصالح المشتركة، ويُنهي عقوداً من التبعية والارتهان. مشروع لا يبدأ بخطاب، بل بإصلاح الداخل، واستعادة كرامة المواطن، وإشراكه في القرار.
في الخلاصة؛ في زمن الاصطفافات الإقليمية الحادة، يصبح الصمت تواطؤاً، والتبعية انتحاراً بطيئاً. أما السعي إلى طريق ثالث، فهو التحدي الحقيقي، والفرصة التي يجب عدم إضاعتها. فهل من يسمع؟
0 تعليق