نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثقافة الساونا في هلسنكي: دفء الفنلنديين في قلب البرودة - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 08:43 صباحاً
بوابة الكويت - في أقصى شمال أوروبا، حيث تكسو الثلوج الطرق وتلامس النسائم الباردة الوجوه، ينبض قلب العاصمة الفنلندية هلسنكي بدفء فريد من نوعه، لا ينبعث من المدافئ ولا من ضوء الشمس، بل من غرف خشبية صامتة تُسمى "الساونا". هنا، لا تُعتبر الساونا مجرّد وسيلة للاسترخاء، بل هي جزء أصيل من روح الحياة الفنلندية، ومكان تتلاشى فيه الحواجز بين الناس، وتلتقي فيه العافية بالجذور الثقافية العميقة.
الساونا ليست رفاهية موسمية في فنلندا، بل هي نمط حياة يمارسه السكان على مدار العام، صيفًا وشتاءً. ويقال إن عدد غرف الساونا في البلاد يتجاوز عدد السيارات، مما يعكس مدى ارتباط المجتمع بهذه العادة التي تتجاوز حدود النظافة الجسدية، لتصل إلى مستويات التأمل، والسكينة، وحتى التواصل الاجتماعي. زيارة هلسنكي تمنحك فرصة نادرة للدخول في هذه الطقوس، وتجربتها كما يعيشها الفنلنديون تمامًا.
الساونا جزء من الهوية اليومية
منذ قرون، استخدم الفنلنديون الساونا ليس فقط للاسترخاء، بل أيضًا للولادة، والشفاء، وحتى اللقاءات العائلية. في هلسنكي اليوم، تستمر هذه التقاليد وإن تغيرت الأشكال، حيث تجد الساونا في المنازل، والمكاتب، وحتى في بعض الفنادق الحديثة. وتُعد الساونا مكانًا حياديًا لا يعلو فيه صوت ولا يُحمل فيه هاتف، بل يستسلم فيه الجسد للحرارة والبخار، بينما يترك العقل كل مشاغله خارج الباب.
أحد أشهر الأمثلة على ذلك هو "لويو" (Löyly)، وهو مركز ساونا عصري مطلّ على بحر البلطيق، صُمم من الخشب بطريقة معمارية مبهرة تدمج بين الحداثة والطبيعة. يمكنك هناك التبديل بين حرارة الساونا المنعشة وغطسة سريعة في البحر البارد، في تجربة تنشيطية تجسّد المعنى الحقيقي للتوازن بين الجسد والعقل.
تجارب ساونا مفتوحة على الطبيعة
من أجمل تجارب الساونا في هلسنكي تلك التي تكون على ضفاف البحيرات أو في قلب الغابات المحيطة بالمدينة، حيث يمكنك الجمع بين دفء الغرفة الخشبية وبرودة الهواء النقي. تقدم بعض المراكز جلسات ساونا تقليدية تليها سباحة في مياه جليدية أو جلسات استرخاء على الأرصفة الخشبية أمام البحر، وكلها لحظات تمنحك إحساسًا بالتحرر من التوتر والانغماس في الطبيعة.
في فصل الشتاء، تكتسب هذه التجربة طابعًا سحريًا حين يتناثر البخار في الهواء البارد، وتغوص في مياه شبه متجمدة بعد جلسة التعرق. وفي الصيف، تكون الساونا بداية مثالية ليوم طويل من السباحة، أو نهاية مريحة ليوم مشمس بين الجزر القريبة من المدينة.
قواعد وآداب الساونا الفنلندية
للانخراط الكامل في ثقافة الساونا، من المفيد معرفة بعض القواعد غير المكتوبة التي يتبعها الفنلنديون. أولها أن الصمت مقبول ومحبّذ، فالمكان ليس للثرثرة بل للتأمل والاسترخاء. ثانيًا، لا يُرتدى عادةً ملابس داخل الساونا، وإن كان ذلك يعتمد على نوع الساونا (مختلطة أو منفصلة). ثالثًا، من الشائع رمي الماء على الحجارة الساخنة لزيادة كثافة البخار، وهي لحظة يُطلق عليها اسم "لويو"، وتعني موجة البخار الحار التي يشعر بها الجميع.
هذه التفاصيل البسيطة تحمل في طياتها احترامًا للمكان والطقس والآخرين، وتعكس الطابع الهادئ والبسيط للحياة الفنلندية. فالساونا ليست مجرد تجربة جسدية، بل ثقافة متجذّرة في الإحساس بالتوازن، والانضباط، والهدوء الداخلي.
زيارة هلسنكي دون خوض تجربة الساونا، تعني تفويت أحد أهم مفاتيح فهم الحياة الفنلندية. إنها ليست تجربة تُحكى فقط، بل تُعاش بكامل الحواس، من حرارة الخشب الدافئ إلى برودة الماء، ومن الصمت العميق إلى الخفة الذهنية التي تلي كل جلسة. في النهاية، الساونا في هلسنكي ليست ملاذًا من البرد فقط، بل دعوة للاتصال بالنفس، والناس، والطبيعة، بطريقة لا يشبهها شيء.
0 تعليق