نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جعجع "رأس حربة" في ملف السلاح... هل ينسحب من الحكومة؟! - بوابة الكويت, اليوم السبت 12 يوليو 2025 08:37 صباحاً
بوابة الكويت - انشغل اللبنانيون هذا الأسبوع بزيارة المبعوث الأميركي توم براك، الذي تسلّم الردّ اللبنانيّ على ورقة المقترحات التي سبق أن قدّمها للمسؤولين، وتتضمّن ضرورة رسم خريطة طريق واضحة
تفضي إلى سحب السلاح غير الشرعي، بما في ذلك سلاح "حزب الله"، بحلول نهاية العام، وسط تكهّنات مستمرة حول مدى تلقّف واشنطن لتريّث بيروت في الحسم، إن صحّ التعبير، وذلك رغم الإيجابية التي أبداها براك.
لكن التصعيد الإسرائيلي المكثّف الذي أعقب الزيارة لم يُعطِ مؤشّرات مطمئنة، بعكس الانطباع الذي خلّفته تصريحات المبعوث الأميركي. لكنّ بعض الأوساط نقلت عن براك مواقف أكثر صرامة في الكواليس، تتضمّن "مهلة" غير معلَنة من بضعة أسابيع أمام الحكومة اللبنانية لوضع خطة واضحة لتسليم السلاح، وإن بدت هذه المهلة بمثابة "حثّ"، وسط تحذيرات من أن "غضّ النظر" الدولي عن لبنان قد يكون الثمن، لا بالضرورة جولة قتالية جديدة لا يرغب بها أحد.
بالتوازي مع هذه الضغوط، الدبلوماسية منها والعسكرية، عاد ملف السلاح إلى واجهة السجالات الداخلية، بعد تصريحات بارزة لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، شكّلت عنوانًا لتصعيد جديد، إذ اعتبر فيها أنّ الردّ اللبناني الذي تسلّمه براك "غير دستوري، وغير قانوني، ولا يحمل طابعًا رسميًا"، مستندًا إلى ضرورة عرض الردّ ومناقشته داخل مجلس الوزراء مجتمعًا، وهو ما لم يحصل.
وإذا كان تركيز جعجع انصبّ على الشكل، فإنّ أبعاده السياسية لم تكن خافية، وقد عبّر عنها أيضًا النائب عن كتلة "الجمهورية القوية" جورج عقيص، الذي ذهب إلى حدّ التلويح بانسحاب "القوات" من الحكومة، ونزع الثقة عنها في حال فشلها في ترجمة بيانها الوزاري، ما فتح الباب أمام تساؤلات جدّية عمّا إذا كانت العلاقة بين "القوات" والحكومة قد اهتزّت، وبدأت ترتسم ملامح تصدّع داخل مكوّناتها الأساسية.
في العمق، لم يكن تصريح جعجع مجرّد اعتراض إجرائي على آلية إرسال الردّ، بل إشارة واضحة إلى انقسام بنيوي داخل التركيبة الحكومية. فحين يصف رئيس "القوات" الرد بأنه مخالف للدستور، ويستشهد بالمادة 65 التي تنصّ على اتخاذ القرارات الأساسية في مجلس الوزراء مجتمعًا، فهو لا يوجّه انتقادًا تقنيًا فحسب، بل يلوّح بأنّ القرار شابه تغييب متعمَّد لمكوّنات الحكومة، ما يوحي بتحميل الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام مسؤولية الانفراد بقرار سيادي بهذه الخطورة.
ويكشف كلام النائب عقيص عن تصعيد إضافي، إذ هدّد بانسحاب "القوات" من الحكومة في حال لم يتم الالتزام بتعهدات البيان الوزاري، وهو ما يعكس شعورًا متناميًا داخل "القوات" بأنّها باتت في موقع المتفرّج، بعدما اعتبرت نفسها أحد أبرز داعمي العهد، و"كتلة الرئيس" غير المعلَنة. فالتردّد في ملفّ السلاح، وعدم انسجام الحكومة مع شعارها السيادي، يدفع "القوات" إلى إعادة تقييم تموضعها.
وتعتقد "القوات" أنّ الرد اللبناني على المقترحات الأميركية لم يكن متوازنًا، بل بدا كأنه يراعي مقاربة "حزب الله"، الذي تعتبر أنه يماطل عبر التذرّع بأولويات، كمسألة الانسحاب الإسرائيلي ووقف الخروقات، بينما يدرك الحزب، وفق تعبير "القوات"، أن ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وأن لحظة الحسم قد حانت، بعدما خسر قادته وعلى رأسهم أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله.
في هذا السياق، ترى "القوات" أنّ الحكومة لم تكن منسجمة مع نفسها، ولا مع بيانها الوزاري، الذي تضمّن بندًا واضحًا حول حصر السلاح بيد الدولة. وهي تعتبر أن أيّ تريّث أو تردّد في تنفيذ هذا البند، خصوصًا إذا أرفق بالحديث عن "استراتيجية دفاعية" أو "حوار"، لا يخدم إلا المماطلة، بل يشكّل "مقامرة" في ظرف دقيق لا يحتمل الترف السياسي، خصوصًا أن المجتمع الدولي بدأ يفقد صبره إزاء تلكؤ الدولة اللبنانية.
ولا تُخفي "القوات" موقفها الحاسم: لا مجال اليوم للحديث عن حوار أو توافق حول سلاح غير شرعي، يجب نزعه فورًا ومن دون قيد أو شرط. وتشير إلى أن البيان الوزاري وافق عليه "حزب الله" من دون تحفّظ، وبالتالي لا يحقّ له المطالبة بضمانات أو ربط الموضوع بانسحابات إسرائيلية، خصوصًا أن الخطر الأكبر اليوم يكمن في إمكانية جرّ لبنان إلى مواجهة جديدة، قد لا تحتملها البلاد سياسيًا واقتصاديًا.
وفي هذا السياق، لا ترى "القوات" أنّ لدى "حزب الله" ترف الحديث عن الضمانات، أو الاشتراطات، أو حتى الربط بين السلاح والخروقات الإسرائيلية. فهي تعتبر أنّ الطرف الخاسر في الحرب لا يمكنه أن يفرض شروطًا، وأنّ الدولة هي المرجعية الوحيدة التي يحق لها الحديث باسم اللبنانيين، علمًا أنّ "القوات" تعتبر أنّ أحدًا لا يمكنه إعطاء "الفرصة" للحزب لتوريط لبنان بحرب جديدة، قد تكون تداعياتها أكثر كارثية من تلك التي سبقت.
وبين هذا وذاك، تشدّد "القوات" على أنّ الخطاب الرسمي اللبناني يجب أن يلاقي خطاب الخارج الواضح والذي لا يحتمل اللبس، فالمطلوب من لبنان تلقّف اليد الممدودة وعدم وضع الألغام والحواجز في طريقها، علمًا أنّه يرى أن خريطة الطريق الأميركية واضحة، وهي تقوم على أنّ سحب السلاح هو خطوة أولى نحو استقرار طبيعي على الساحة، بما يلبّي الضمانات المطلوبة، التي تشمل وقف الخروقات الإسرائيلية بطبيعة الحال.
ويتوقف المحسوبون على "القوات" مليًا في هذا الإطار عند الإشارات الأميركية المتكرّرة إلى ضرورة أخذ التجربة السورية بالاعتبار، والتسهيلات التي أعطيت للرئيس السوري أحمد الشرع، خصوصًا بعد اللقاء بين الأخير والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض أخيرًا، ورفع العقوبات بعد ذلك، وبالتالي فإنّ المطلوب من الحكومة اللبنانية التعامل مع الأميركيين بالمثل، إذا أرادوا فعلاً أن يحصلوا على الدعم، الذي هم بأمسّ الحاجة إليه.
في المحصّلة، يتجاوز موقف "القوات اللبنانية" حدود المعارض التقليدي، ليشكّل رأس حربة في المواجهة حول ملف السلاح، لا مع "حزب الله" وحده، بل أيضًا مع من يراوغون برأي جعجع، باسم الحوار أو الواقعية. ومع أن الانسحاب من الحكومة لا يبدو خيارًا مطروحًا حتى الآن، إلا أن التصعيد سيستمر، على الأرجح، ما دامت الحكومة لا تُبدي حزمًا واضحًا في تطبيق شعارها السيادي. والسؤال يبقى: هل يُرسم مصير لبنان في الداخل هذه المرة، أم يُفرَض من الخارج، تحت وطأة المهل والضغوط؟.
0 تعليق