من الانهيار إلى الاستنهاض: أسس بناء اقتصاد لبناني جديد - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من الانهيار إلى الاستنهاض: أسس بناء اقتصاد لبناني جديد - بوابة الكويت, اليوم السبت 12 يوليو 2025 06:27 صباحاً

بوابة الكويت - د. أيمن عمر*

 

يبرز التحول الرقمي، الاقتصاد الأزرق، الاقتصاد البنفسجي، والاقتصاد المرتبط بالاغتراب كركائز أساسية لإعادة بناء الاقتصاد اللبناني على أسس جديدة وأكثر استدامة.

 

1- الاقتصاد الرقمي: نحو "وادي تكنولوجيا لبناني"
وذلك يتطلب المرتكزات التالية:

 

-البنية التحتية الرقمية: توسيع شبكة الإنترنت عبر توفير إنترنت عالي السرعة (Fiber Optic) في كافة المناطق، دعم القطاع الخاص لإنشاء أبراج اتصالات وشبكات الجيل الخامس 5G، مع منح إعفاءات ضريبية لمدة 10 سنوات لشركات ناشئة في مجالات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي.

 

-الحكومة الإلكترونية: إطلاق بوابة خدمات إلكترونية موحدة تتضمن الهوية الرقمية، الدفع الإلكتروني، والمعاملات الرسمية، مستفيدين من تجربة إستونيا في الحكومة الرقمية. توحيد جميع الخدمات في تطبيق واحد وربط المناقصات الحكومية بـ (Blockchain) لمنع التزوير.

 

-رقمنة القطاعات الاقتصادية: تشجيع شركات التكنولوجيا المالية (FinTech) عبر تسهيلات مصرفية وتشريعية، إطلاق عملة رقمية مدعومة من مصرف لبنان، دعم التجارة الإلكترونية عبر تدريب الشركات الصغيرة، والاعتماد على الزراعة الذكية باستخدام تقنيات الاستشعار والذكاء الاصطناعي.

 

-تطوير رأس المال البشري: إدخال البرمجة والذكاء الاصطناعي في المناهج، إنشاء أكاديميات رقمية لتدريب الشباب على تطوير التطبيقات، الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، واحتضان المواهب التقنية عبر تأسيس "وادي تكنولوجيا لبناني" يشمل حاضنات أعمال مدعومة باستثمارات من المغتربين.

 

-الإطار التشريعي والتنظيمي: من قوانين حديثة للتحول الرقمي تشمل الأمن السيبراني وحماية البيانات، وتأسيس هيئات رقابية متخصصة تراقب جودة الخدمات الرقمية.

 

-الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تمويل مشروعات تطوير البنية التحتية التكنولوجية وإنشاء صناديق استثمار في التكنولوجيا.

 

-الشفافية ومكافحة الفساد: استثمار أدوات التحول الرقمي للحد من الفساد من خلال نظام مناقصات إلكتروني وتتبع الإنفاق الحكومي عبر تقنية البلوك تشين، وسجل موحد للوظائف والعقود.

 

2- الاقتصاد الأزرق: الذهب الأزرق في الوطن الأزرق
يمتلك لبنان مساحة اقتصادية بحرية تقدر بـ 22,730 كيلومتر مربع، تمثل "المنطقة الاقتصادية الخالصة" التي تمتد حتى 200 ميل بحري، وتشكل جزءاً رئيسياً من "الوطن الأزرق" الذي يبلغ إجمال مساحته مع المساحة البرية 33,182 كم2. يتمثل الاقتصاد الأزرق في الاستغلال المستدام للموارد البحرية، ويمتلك لبنان فرصاً هائلة للتنقيب عن الغاز والنفط واستخراجهما، على الرغم من التحديات السياسية الخارجية التي تعيق هذا التطور. يمكن للبنان أيضاً تعزيز السياحة البحرية المستدامة عبر إنشاء محميات بحرية واعتماد استراتيجيات للطاقة المتجددة، بهدف توليد 3,000 ميغاوات من الكهرباء بحلول عام 2030، مع تقليص الاعتماد على الديزل وتحويل المعامل إلى الغاز والطاقة النظيفة، مما يساهم في تخفيض فاتورة الطاقة الوطنية، الاستفادة من الثروة السمكية عبر إنشاء مزارع لها ودعم تصديرها، إنشاء مشاريع سياحية في الجزر البحرية في طرابلس وغيرها من المناطق الساحلية، تطوير ودعم السياحة البحرية.

 

3- اقتصاد الاغتراب: الثروة التي لا تُستثمر

 

تشكل تحويلات المغتربين جزءاً رئيسياً من اقتصاد لبنان، إلا أن هذه الثروة تبقى غير مستغلة بالشكل الأمثل. من المقترحات المهمة:

 

-بنك المغتربين الرقمي: إنشاء بنك حكومي رقمي مخصص للمغتربين يشترط ضخ جزء من التحويلات في سندات حكومية أو صناديق تنموية.

 

-سندات وطنية للمغتربين: إصدار سندات بالدولار مدعومة بأصول سيادية مثل العقارات أو الغاز.

 

-مشاريع المغتربين المصغرة: منصة إلكترونية تمكّن المغتربين من تمويل مشاريع صغيرة بإدارة محلية وشفافية رقمية، مع متابعة عن بُعد عبر تطبيق "لبنان يستثمر".

 

هذه المبادرات تتكامل مع برامج أخرى مثل "قرية المغتربين الذكية" و"برنامج الخبرة العكسية" ومنحة العودة، ما يعزز دور المغتربين في التنمية الاقتصادية.

 

4- الاقتصاد البنفسجي: ثقافتنا مورد اقتصادي
هو أحد مجالات وفروع علم الاقتصاد الحديث خارج الإطار التقليدي للاقتصاد الجزئي والكلي، وهو نموذج يعتمد على الثقافة للخروج من الأزمات الاقتصادية وخلق نموذج اقتصادي جديد يعتمد على البيئة الثقافية للمجتمع وإنشاء أنشطة إنتاجية وعمليات استثمارية ومحددات استهلاكية وفق الثقافة المجتمعية لتحقيق التنمية المستدامة. هناك العديد من المهن يمكن الاعتماد عليها لإحياء الإنتاج الوطني اللبناني والتي اشتهر بها منها: صناعة المفروشات والأثاث المنزلي، الأحذية، الثياب وخاصة الجينز، النحاسيات، الصناعات الغذائية، العطور ومستحضرات التجميل، الصابون ومواد التنظيف وغيرها. ولا بد من استنهاض قطاعات حيوية هي ركن الاقتصاد والمالية العامة ويأتي في مقدمتها القطاع السياحي يليه القطاع الصحي (مستشفى العرب) والقطاع التعليمي (جامعة العرب)، كل ذلك مع قطاع مصرفي متين.

 

5- التوازن بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية:

لا يمكن تحقيق نهضة اقتصادية دون سياسات مالية ونقدية واجتماعية متوازنة، تقوم على إصلاحات هيكلية عميقة:

 

-السياسة المالية: تحويل الموازنة العامة إلى موازنة استثمارية خلاقة، توسيع القاعدة الضريبية ومحاربة التهرب، زيادة العدالة الضريبية، إعادة هيكلة الإنفاق العام للتركيز على القطاعات الحيوية، وتعزيز الشفافية والمحاسبة.

 

-السياسة النقدية: توحيد أسعار الصرف واعتماد نظام صرف عائم مدار، ضبط التضخم عبر السيطرة على حجم الكتلة النقدية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل شفاف.

 

-السياسة الاجتماعية: إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل، دعم الفئات الأكثر ضعفاً، توفير ضمان صحي وتعليمي شامل، محاربة الفقر والبطالة من خلال تحفيز الإنتاج والاستثمار، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وضمان العدالة في التوزيع الجندري والمناطقي.

 

لبنان يمتلك كل المقومات اللازمة لبناء اقتصاد حديث ومستدام، من شباب مبدع وبنية تحتية قابلة للتطوير، إلى دعم قوي من المغتربين والمجتمع الدولي. ولكن يبقى التحدي الأساسي في الإرادة السياسية والتخطيط التنفيذي الجاد والشراكة الفعالة بين كافة الأطراف. خارطة الطريق هذه تدعو إلى تبني اقتصاد قائم على التمويل الذكي، المعرفة الكفوءة، والانتماء الوطني، ما يضع لبنان على طريق الاستنهاض من أزمته الاقتصادية العميقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

 

*أكاديمي وباحث اقتصادي

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق