بين العقم والعجز ورفض الإنجاب - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين العقم والعجز ورفض الإنجاب - بوابة الكويت, اليوم السبت 12 يوليو 2025 06:27 صباحاً

بوابة الكويت - حبيب خلف*

 

 

يُعد موضوع بطلان الزواج في المحاكم الكنسية من القضايا الشائكة والحساسة، خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية، حيث يتداخل البُعد القانوني مع الاعتبارات الاجتماعية والدينية. ومن بين أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى إعلان بطلان الزواج، ما يُعرف في القانون الكنسي باستبعاد حِلية النسل، أو كما يُسمّى في بعض النصوص الكنسية استبعاد خير الأولاد والإنجاب.

وفي ضوء قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية الشرقية، يُعدّ هذا السبب من الأسباب الجوهرية التي تمسّ جوهر الرضى الزوجي، إذ إن الزواج الكنسي لا يقوم فقط على المحبّة والتفاهم، بل يرتكز على ثلاثة خيور أساسية وهي ترجمة عن اللغة اللاتينية tria bona matrimonii: وحدة الزواج (أي الأمانة الزوجية)، ديمومة الزواج (أي عدم قابلية الزواج للفسخ) وقبول الأولاد وتربيتهم (أي حِلية النسل).

فلقد ورد في البندين 1 و3 من القانون 776 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية ما يلي:

 

"البند 1- عقد الزواج الذي صنعه الخالق ونظمه بشرائعه، والذي به ينشئ الرجل والمرأة، برضى شخصي لا نكوص عنه، شركة بينهما في الحياة كلها، من طبيعته أن يهدف إلى خير الزوجين وإلى إنجاب البنين وتنشئتهم.

 

البند 3- خاصتا الزواج الجوهريتان هما الوحدة وعدم الانفصام، اللذان يكتسبان في الزواج المعقود بين المعمّدين رسوخاً خاصاً بفضل السر".

 

فما هو استبعاد حِلية النسل؟

يُقصد به نيّة أحد الزوجين، أو كليهما، منذ لحظة إبرام العقد، استبعاد الإنجاب عن قصد ووعي، ورفضه رفضاً مطلقاً ودائماً، مع تمسّك بهذا الرفض حتى خلال الزواج. ويُعدّ هذا الاستبعاد خللاً جوهرياً في النية الداخلية، حتى لو تمّ إخفاؤه علناً، لأن القانون الكنسي يُعنى بصدق النيّة الداخلية لا فقط بما يُقال أمام المذبح.

فهل هناك فرق بين العقم والعجز الجنسي واستبعاد حِلية النسل؟ كثيرون يخلطون بين هذه الأمور، إلا أن الفرق بينها دقيق وجوهري، فالعقم هو حالة جسدية طبيّة خارجة عن إرادة الإنسان، تعني عدم القدرة على الإنجاب لأسباب صحية أو خلقية، ولا يبطل الزواج إلا إذا ترافق مع غش أو خداع متعمّد، كأن يعلم أحد الزوجين قبل الزواج أنه عقيم ولا يستطيع الإنجاب وقد أخفى هذا الموضوع عن الشريك، ففي هذه الحالة يكون سبب بطلان الزواج هو الغشّ والخداع وليس العقم.

أما العجز الجنسي فهو حالة طبّية أو خلقية تمنع الرجل أو المرأة من المجامعة الجنسية وهو سبب مبطل للزواج، لأنّ الزواج من طبيعته أن يكتمل بالعمل الجنسي، فإن كان هناك من سبب جسدي يمنع اكتمال الزواج بالعلاقة الجنسية فهذا الزواج باطل، وانطلاقاً ممّا سلف فالقانون 801 يبيّن بوضوح الفرق بين العجز والعقم إذ جاء فيه: "البند 1- العجز السابق والمؤبد عن المجامعة، سواء كان عند الرجل أو عند المرأة، وسواءٌ كان مطلقاً أو نسبياً، يبطل الزواج من طبيعته نفسها. البند 3- العقم لا يحول دون الزواج ولا يبطله، هذا مع التقيّد بالقانون 821 (الذي يتحدث عن الغش).

 

أما استبعاد حِلية النسل فهو قرار إرادي وشخصي، يُخالف طبيعة الزواج الكنسي، إذ يُقصي أحد أبرز أركانه عن عمد، ما يُبطل الرضى الزوجي حتماً. وهذا ما أكده القانون 824 إذ جاء فيه: "إذا أقدم أحد الفريقين أو كلاهما بفعل إرادة صريح على استبعاد الزواج نفسه، أو أحد عناصر الزواج الجوهرية، أو إحدى خصائصه الأساسية، فباطلاً يعقد الزواج".

 

ولدقة الموضوع سنذكر بعض الأمثلة الواقعية: زوجان اكتشفا بعد الزواج أن الزوج يعاني من عقم دائم، بسبب حالة طبّية مزمنة. لم يكن الزوج يعلم بهذا الأمر قبل الزواج، ولم يتعمّد إخفاءه، كما أنهما قبِلا بوضعهما وتابعا حياتهما معاً بمحبّة، في هذه الحالة، لا مجال لبطلان الزواج، لأن العقم هنا غير مقصود وغير مرتبط بغشّ أو خداع ولا يُفسد الرضى.

المثال الثاني: امرأة كانت قد صرّحت مراراً قبل الزواج، بين صديقاتها ومعارفها، بأنها لا تريد الإنجاب أبداً، وقد تمسّكت بموقفها هذا بعد الزواج، حتى إنها رفضت كلياً أي نقاش مع زوجها حول الموضوع، ورفضت كلّ وسائل الإنجاب الطبيعية أو التدخلات الطبّية، بل وتعمّدت استخدام موانع دائمة للحمل كأدوية أو عقاقير أو لجأت إلى عمليات طبّية، إذا ثبت ذلك، يُعتبر الزواج باطلاً، لأن نيّتها منذ البداية كانت استبعاد الخير الجوهري للنسل.

 

المثال الثالث: في بعض الحالات، يُعقد الزواج بين شريكين متفقَين مسبقاً على رفض الإنجاب لأسباب مادية أو شخصية أو حتى أنانية. هذا الرفض المشترك، حتى لو كان معلناً بين الطرفين، يُبطل الزواج الكنسي، لأنهما استبعدا جوهر الزواج بإرادتهما الحرة.

يُحذر القانون الكنسي من التسرّع في اتهام الطرف الآخر بـ"استبعاد حِلية النسل"، لأن التحقيق في هذا الموضوع يستلزم دلائل قاطعة، مثل:

      اعترافات صريحة.
      رسائل أو محادثات واضحة.
  شهادات شهود يؤكدون النية السابقة والمستمرة بالرفض.

وغالباً ما تكون هذه القضايا حساسة ومعقدة، إذ يدخل فيها عنصر السرية والنيّات الداخلية، ما يفرض على القضاة الكنسيين حكمة ورصانة، مع الاستعانة بخبراء نفسيين واجتماعيين وأطباء ذوي اختصاص عند الحاجة.

 

وتماشياً مع ما ذُكر، يتبيّن أن القانون الكنسي الكاثوليكي الشرقي يُعطي أهمية كبرى للنية الصادقة عند الزواج، ويُميز بدقة بين ظروف خارجة عن الإرادة كالعقم، وبين نيات داخلية متعمّدة كاستبعاد الإنجاب.


*
دكتور في القانون الكنسي

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق