نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"شغلة فكر": تحية مسرحية للفكاهة والإنسانية - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 11 يوليو 2025 09:33 صباحاً
بوابة الكويت - المساء بيروتي صيفي. مقاعد مسرح "مونو" تتهيّأ لاستقبال جمهور جاء بحثاً عن شيء يتجاوز الفرجة؛ شيء من المعنى ربما، أو على الأقل من ذلك النوع من المسرح الذي يربّت على الكتف ويقول: "أفهم ما تمرّ به، دعنا نضحك عليه معاً". هذا تماماً ما قدّمته "شغلة فكر" (كتابة وإخراج غبريال يمّين)، والمبنية على عمل نيل سيمون "The Good Doctor" المقتبَس بدوره من قصص تشيخوف القصيرة.
في "شغلة فكر" ما يتجاوز الاقتباس؛ فيها شيء من روح غبريال يمّين، الحلوة والفتيّة والمشاكسة، وإعادة صياغة ذكية وحميمة لعوالم إنسانية تنتمي لعوالمنا على اختلافها. مسرح يمّين ورقة بيضاء كُتبت عليها الأفكار والمخاوف والهواجس والتناقضات. شخصية الكاتب، التي يؤديها طلال الجردي ببراعة حسّية، هي قلب المسرحية ونبضها المتقلّب. يتماهى معه في أزمة قفلة الكاتب ومتلازمة الصفحة الفارغة، وما بينهما من إحباط ومشاعر متقلّبة، كلُّ من عايش القلم وخالط الأوراق. رجل يعيش في ظلّ أبٍ كاتب كبير، يحاول أن يخطّ صوته الخاص، أن يلتقط فكرته ويمنحها شكلاً، لكنّه يصطدم دوماً بشبح المقارنة وبثقل التوق إلى التفوّق.
ملصق مسرحية “شغلة فكر“.
من هذه الشخصيّة التي أدّاها الجردي ببراعة المسرحيّ الفذّ، تتفرّع المشاهد والمواقف التي لا تخلو من الطرافة والغرابة. انفجارات متوالية في ذهن كاتب لا يهدأ، وإن عانى شحّ الأفكار. مشاهد عن العشق والخضوع، عن الغواية والإذلال، عن الغضب والرغبة... عن الحياة بكلّ ما فيها من تناقض. لحظات تنقلنا بمبالغة الأداءات المسرحيّة من ضحك إلى تأمّل.
المسرحية، رغم طابعها الميتا-درامي، لا تقع في فخ التنظير، بل تسير بسلاسة، خلال نحو ساعتين، بين الواقع والمتخيّل، مدفوعة بإخراج ذكيّ يجعل من السينوغرافيا نفسها امتداداً لفكرة الكاتب. المسرح عند غبريال يمّين عالم حسّي، كلّ ما فيه شفاف وخفيف ومرن؛ والأفكار، ومعها الشخصيات، تطفو داخل رأس الكاتب، تبحث عن أجساد ومعنى لحيواتها ذات المسارات والأقدار العبثية.
على الخشبة، تقف مجموعة من الممثلين الذين يُحسنون فهم النَفَس المسرحي ومتطلباته. طلال الجردي، بقدرته على التنقّل بين السخرية والجدّية الواقعية، يرسّخ حضوره المسرحي. إلى جانبه، طارق تميم بوقاره المشاكس، وسلمى شلبي بصدق أدائها، يضيفان إلى العرض دفئاً وإنسانية. أما الجيل الشاب، من خريجي كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، فيثبت أنّ المسرح اللبناني ما زال قادراً على إنتاج طاقات تبشّر بالكثير. أداء مابيل طوق، علي بليبل، عامر فياض، كايتي يونس، ماييف ليشع، كريس حداد، وسيلين صاليبا، لامس النضج المهني، وقدّموا شخصيات تترك بصمة ببساطتها وجرأتها.
غبريال يمّين، المعلّم، قدّم لنا درساً في كيفية ترجمة الإرث المسرحي العالمي إلى لغة لبنانية، محلية، صادقة، من دون أن يفقد روحه. لم يسقط في فخ التبسيط، ولم يخشَ من أن يضع جمهوراً ضاحكاً أمام مرآة قد تعكس صورته المؤلمة. أراد أن يقول شيئاً، وفعل. أراد أن نضحك، ونجح. أراد أن نفكّر، وترك لنا المجال.
0 تعليق