أكراد تركيا: ترك السلاح استعداداً للمعركة الدستورية - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أكراد تركيا: ترك السلاح استعداداً للمعركة الدستورية - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 06:46 صباحاً

بوابة الكويت - في خطوة رمزية، تعتزم مجموعة من حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) تسليم أسلحتها خلال مراسم علنية من المقرّر إقامتها في مدينة السليمانية العراقية بعد أسبوع، وسط تغطية إعلامية وحضور سياسي كردي.

 

ورغم رمزية الحدث، إلا أنه يشكّل إعلاناً عن مرحلة جديدة في مسار القضية الكردية في تركيا، ويعيد رسم أولويات التحالفات السياسية والاعتبارات الأمنية للدولة التركية.

الخطوة الأولى بعد نداء أوجلان

المراسم، التي سيقودها القيادي السابق في الحزب المحظور تركياً ودولياً مصطفى قره‌ سو، تأتي ترجمة لقرارات المؤتمر الثاني عشر لـ"العمال الكردستاني"، والذي أُعلن خلاله رسمياً عن حلّ الحزب كجهاز مسلح، استجابة لنداء مؤسسه وزعيمه التاريخي عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة إمرالي.
وعلمت "النهار" من مصادر داخل "العمال الكردستاني" أن المجموعة ستقوم بإحراق أسلحتها، وليس تسليمها إلى أي جهة كردية أو تركية.

 

وأعادت الرسالة التي حملت عنوان "دعوة من أجل السلام والمجتمع الديموقراطي" أوجلان إلى مركز صناعة القرار السياسي التركي، رغم سنوات العزلة.

 

وترتبط مسألة نزع سلاح "حزب العمال الكردستاني"، بعد نصف قرن من المواجهة المسلحة التي كلفت الطرفين خسائر بشرية ومادية كبيرة، ولا سيما أنقرة التي تحدثت سابقاً عن خسائر بتريليونات الدولارات، بالسياق السياسي التركي أكثر من الميدان العسكري.

 

ويَعتبر سياسيون وأكاديميون مؤيدون للحل السلمي أن ما بعد رسالة أوجلان يُمثّل محاولة جادة لإحياء مشروع التسوية، إنما هذه المرة بأدوات أكثر احترافية، وفي توقيت إقليمي حساس يفرض على أنقرة إعادة النظر في أولوياتها.

 

مقاتلون من حزب العمال الكردستاني.

 

حزب "ديم" في معادلة ما بعد السلاح

بات حزب الديموقراطية والمساواة بين الشعوب (ديم)، والذي يؤدي دور الوسيط غير الرسمي بين الدولة التركية وأوجلان، طرفاً مؤسسياً في معادلة تركيا ما بعد السلاح.

 

وبحسب ما أكده نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب سيزاي تيميلي، فإن "ديم" يسعى إلى تأسيس لجنة برلمانية رسمية تحت اسم "لجنة المصالحة الديموقراطية"، كبديل عن مصطلح "تركيا خالية من الإرهاب" الذي أطلقه زعيم حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي، شريك أردوغان في "تحالف الشعب".

 

ويرى "ديم" أن هذا المصطلح الحكومي يشكّل تجريماً سياسياً لأي مسار لحل القضية الكردية، ويطالب بتغيير الخطاب الرسمي من اعتبارها "مسألة أمن قومي" إلى "قضية حقوق ومواطنة".

 

وتأتي هذه المساعي في ظل رغبة "حزب العدالة والتنمية" في تقليل وتيرة العمليات العسكرية عبر الحدود، خصوصاً مع تصاعد التوترات الإقليمية كالحرب في غزة والصراع الإيراني-الإسرائيلي، ما يدفع أنقرة إلى إعادة ترتيب أولوياتها الجيوسياسية.

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لطالما تبنّى خطاباً متشدداً تجاه "العمال الكردستاني"، أبدى في الأسابيع الأخيرة لهجة أكثر اتزاناً، مشيراً إلى أن نزع السلاح يُعد "خطوة استراتيجية نحو الاستقرار الداخلي".

 

كذلك، علمت "النهار" من مصادر مسؤولة في "ديم" أن ترتيبات خاصة تُناقش لعقد لقاء بين قيادات الحزب وأردوغان ، في خطوة كانت حتى وقت قريب غير واردة سياسياً.

 

وتواجه سياسات أردوغان اليوم اختباراً صعباً في الموازنة بين الكتلة القومية الداعمة له، وإمكانية فتح قنوات تواصل مع التيار الكردي، خصوصاً أن أي تنازلات في هذا الإطار قد تتعارض مع منطق "تحالف الشعب" ذي الخلفية الدينية-القومية المحافظة.

 

في المقابل، يبدو أن أوجلان يراهن على تثبيت حزب "ديم" كذراع سياسي للمشروع الكردي داخل تركيا، بالتزامن مع تفكيك الذراع العسكرية، في تجربة تذكّر بنموذج حركة "فارك" في كولومبيا، التي تحوّلت إلى حزب سياسي بعد توقيع اتفاق السلام عام 2016، وفق التزامات متبادلة تتعلق بالعفو والعدالة الانتقالية والتمثيل السياسي.

 

الأكراد ينتظرون ترجمة السياسة إلى عدالة

لا يمكن فصل التطورات داخل تركيا عن المشهد الإقليمي. فنزع سلاح "العمال الكردستاني" قد يحدّ من مبررات التوغلات التركية في شمال العراق، ويفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة مع حكومة إقليم كردستان، خصوصاً بعد اللقاءات المكثفة التي أجراها مدير جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن مع قادة الإقليم في أربيل. كما يعيد ترتيب العلاقة مع السليمانية، التي طالما كانت عنواناً للتوتر في الخطاب التركي الرسمي.

 

أما في سوريا، فإن تغيّر الموقف التركي من العسكرة في الملف الكردي قد يفتح الباب أمام إعادة هيكلة المشهد، خصوصاً في ظل تمسك أنقرة بموقفها الرافض لـ"وحدات حماية الشعب" (واي بي جي)، نواة "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، واعتبارها امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني".

 

ويتوقّع مراقبون أن تتبع خطوة نزع السلاح في العراق تحركات لاحقة لتفكيك البنية العسكرية في شمال شرق سوريا، تمهيداً لدمج "قسد" في الجيش السوري الجديد ضمن مساعٍ أميركية.

 

ورغم أن المراسم أعادت الأمل لدى آلاف العائلات الكردية بإمكانية الإفراج عن أبنائها، لا تزال قضايا مثل العفو العام، والحقوق الثقافية، واللامركزية، محل تجاذب سياسي.

 

ويدفع حزب "ديم" باتجاه إصلاحات دستورية تعترف باللغة الكردية، وتطالب بإلغاء قوانين مكافحة الإرهاب التي تُستخدم، بحسب الحزب، لقمع المعارضة. لكنّ الواقع يشير إلى أن نجاح العملية يتطلّب أكثر من النوايا الطيبة، في ظل غياب الثقة، وتجارب الماضي التي لا تزال حاضرة، وفي مقدّمتها انهيار محادثات 2015. كذلك، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من نصف الشارع التركي لا يؤيد التفاوض مع تنظيمات مسلّحة، ما يضع الأحزاب أمام تحديات سياسية وبرلمانية كبيرة.

 

وربما تكمن الأهمية التاريخية لما يجري اليوم، لا فقط في قرار تنظيم متمرّد بترك السلاح، بل في أنه يفتح ثغرة في جدار الصراع التركي-الكردي المغلق منذ عقود. لكنّ السياسيين الأكراد يحذرون من خطورة انسداد هذه الثغرة مجدداً، إن لم يُبْنَ السلام بمؤسسات سياسية وقانونية واضحة، وبشجاعة دستورية تعيد تعريف المواطنة خارج ثنائية "الولاء والخيانة".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق