نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين ينبت القنّب برعاية القانون... هل تُنقذ زراعة الحشيشة العلاقة بين المواطن والدولة؟ - بوابة الكويت, اليوم الخميس 3 يوليو 2025 02:11 مساءً
بوابة الكويت - في بعلبك-الهرمل، لا تُزرع الحشيشة في التربة فحسب بل أيضاً في الذاكرة، في المعاناة، وفي كل زاوية من زوايا العلاقة الشائكة بين المواطن والدولة. هناك، حيث تمتد آلاف الهكتارات المزروعة بالقنب الهندي منذ عقود، لم تكن الحشيشة مجرد محصول زراعي، بل ملاذ اقتصادي لمن حاصره الفقر والإهمال.
اليوم، بعد خمس سنوات على إقرار قانون تشريع زراعة القنّب الهندي لأغراض طبية وصناعية، وضع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام هذا القانون على نار قوية عبر سعيه الى تشكيل الهيئة الوطنية للقنب الهندي والشروع في تنفيذه. كذلك أعلن وزير الزراعة نزار هاني أخيراً أن "العمل جارٍ لتعيين الهيئة الناظمة، ما يعني انطلاق تنفيذ القانون رسمياً".
في هذا السياق، التقت "النهار" البروفسور حسان مخلوف، أستاذ زراعة القنب الهندي في الجامعة اللبنانية، ورئيس "الحركة البيئية اللبنانية"، الذي يرى "أن لدينا فرصة نادرة لإخراج هذه الزراعة من منطق الاتهام والملاحقة، وتحويلها إلى اقتصاد منتج وشرعي، لكنّ هذا يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وإلى إدارة عادلة وشفافة".
نبتة للتصنيع الطبي. (لينا إسماعيل)
فطوال عقود، ظلّت زراعة القنب في البقاع تُدار وفق منطق "العرف الميداني"، لا وفقاً للقانون. ويشير في هذا الصدد إلى" أن هذه الزراعة أنقذت آلاف العائلات من الجوع، خصوصا ًفي ظل غياب الدولة عن توفير أي بديل اقتصادي مجدٍ".
ويضيف: "في البقاع، لم تكن الحشيشة ترفا أو جريمة، بل كانت وسيلة للعيش بكرامة. المزارع لم يكن مجرماً، بل مهمّشاً، اضطر إلى هذا الخيار ليطعم أولاده".
في إحدى دراساته الميدانية، أجرى مخلوف مسحاً شمل 127 عائلة من مزارعي القنب، وكشف أن معظمهم ينفقون عائداتهم على الطعام، التعليم، والصحة. "هذه الزراعة، بكل بساطة، قامت مقام الدولة"، بحسب قوله.
لكنّ الانتقال من زراعة "محرّمة - مسموحة" إلى زراعة مرخّصة ليس بالأمر البسيط. كثيرون من أبناء المنطقة يخشون أن تتحوّل هذه الفرصة إلى امتياز جديد تحتكره الشركات الكبرى أو المستثمرون من أصحاب الحظ والنفوذ.

هل تكون سبباً لنهوض المزارع؟
وهنا يحذر مخلوف، قائلاً: "إذا لم يكن المزارع هو المستفيد الأول من التشريع، فنحن نعيد إنتاج الإقصاء. يجب أن يكون هناك توزيع عادل للرخص، ودعم تقني للمزارعين، وضمانات لشراء الإنتاج بسعر منصف".
ويعرب عن خشيته من "أن يتحول المشروع إلى نسخة جديدة من الخصخصة المقنّعة، بحيث يُقصى من عاش من أرضه لعقود، ويُستبدل بمن لم يعرف هذه الأرض يوماً".
ويعتبر" أن مشروع تشريع القنب هو أكثر من مبادرة زراعية أو اقتصادية، هو مشروع مصالحة مؤجَّلة بين الدولة ومنطقة لطالما شعرت بأنها متّهمة مسبقاً، وموضوعة خارج حسابات التنمية".
ويلفت الى "أن نجاح المشروع يحتاج إلى ما هو أبعد من القانون، يحتاج إلى بنية تحتية متكاملة تشمل مختبرات، مصانع تحويل، تعاونيات إنتاج، دعم لوجستي وتسويقي، وتأهيل بيئي للأراضي المتضررة".

زراعة تعيد الأمل الى بعلبك - الهرمل.
وبفضل أبحاثه، طوّر مخلوف تقنيات لإعادة تأهيل التربة في المناطق التي طاولها الإفراط في زراعة القنب، منها تقنية تعتمد على كائنات دقيقة مستخلصة من التربة اللبنانية نفسها. "لا نريد تقنين الزراعة فحسب، بل نريد جعلها مستدامة. وهذا يعني التخفيف من الأثر البيئي، والتقليل من الاعتماد على المدخلات الصناعية كالأسمدة الكيميائية"، وفقاً له.
في الواقع، لا يُمكن الحديث عن تشريع زراعة القنّب الهندي بمعزل عن السياق السياسي والأمني الذي حكم علاقة الدولة بمنطقة بعلبك-الهرمل لعقود. فهذه المنطقة، التي لطالما وُصمت بالتهميش وغياب التنمية، لم تكن مسرحاً لزراعة غير شرعية فحسب، بل ساحة لصراع بين دولة غائبة ومجتمع محلي اضطر الى الاعتماد على ذاته في تأمين سبل العيش.
يُذكر أن القانون الذي أُقرّ عام 2020 جاء نتيجة دراسات استغرقت أكثر من عقد، بالتعاون مع شركات استشارات دولية ومؤسسات أكاديمية، وكان الهدف منه إدخال لبنان إلى سوق الصناعات الدوائية المستخرجة من القنّب، والتي تبلغ قيمتها العالمية اليوم أكثر من 60 مليار دولار سنوياً. إلا أن هذا الطموح لا يزال يفتقر إلى إطار تنفيذي واضح وشفاف يضمن إشراك المجتمع الزراعي المحلي فيه.
ويعبّر مخلوف عن تخوفه من "أن يتحول التشريع إلى مشروع اقتصادي نخبوي، يُدار من بيروت ويُنفَّذ على حساب مزارعي بعلبك-الهرمل الفقراء"، مشدداً على "الحاجة إلى خطة تشاركية، تُبنى من تحت إلى فوق، وليس العكس".
ويشدد على "تفعيل دور المجتمع المحلي في عملية الترخيص والمراقبة"، ويقترح أن تضم الهيئة الناظمة لإدارة هذا القطاع، إلى جانب ممثلي الدولة، ممثلين عن المجتمع المدني والمزارعين "لضمان ألا تتحول هذه الزراعة إلى باب جديد للفساد أو الاحتكار".
من جهة أخرى، يرى عدد من الخبراء أن زراعة القنّب قد تُستخدم مدخلاً لإصلاح أكبر في السياسة الزراعية اللبنانية، إذ إنها تفتح نقاشاً واسعاً حيال مفهوم "الزراعات ذات القيمة المضافة"، والتوجه نحو صناعات تحويلية تربط بين الحقل والمختبر والمصنع، بدل الاكتفاء بزراعات تقليدية غير مجدية.
كما أن التجربة قد تفتح الباب أمام إعادة النظر في نظام الدعم الزراعي، ليشمل تجهيز الأراضي، تأمين البذور المحسّنة، أنظمة ريّ حديثة، وتمويل صغير للمزارعين، ما يعتبره مخلوف "أساساً للعدالة الزراعية والتنمية الريفية".
في الختام، يشدد على أن القنّب "ليس عصا سحرية لحل كل مشاكل بعلبك-الهرمل"، و"أن هذه النبتة التي كانت سبباً في ملاحقة المزارع، يمكن أن تكون للمرة الأولى هي نفسها سبب نهوضه".
0 تعليق