نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الاقتصاد السياسي للذكاء الاصطناعي: كيف يبني الخليج مراكز الثقل في الثورة الرابعة؟ - بوابة الكويت, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 08:39 صباحاً
بوابة الكويت - جابر الشعيبي*
في قلب التحول العالمي الذي تفرضه الثورة الصناعية الرابعة، يبرز الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة إنتاجية، بل كمورد استراتيجي يعيد تشكيل موازين النفوذ والهيمنة الاقتصادية والسياسية. أدركت دول الخليج – الإمارات، السعودية، قطر، الكويت، البحرين، وسلطنة عمان – مبكراً أن امتلاك أدوات هذه الثورة لا يقتصر على تبني التقنية، بل يتطلب توطينها، والتحكم في تدفقاتها، وتحويلها إلى أداة سيادية لصياغة مستقبلها الاقتصادي والجيوسياسي.
تشير تقديرات شركتي ماكينزي (McKinsey) وبي دبليو سي (PwC) إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما بين 21 و35 مليار دولار سنوياً إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بين 2018 و2030، بمساهمة تُقدَّر بين 2 و8.2% من الناتج غير النفطي، وبمعدل نمو سنوي يتجاوز 20%. ويتوقع تقرير نشرته "الخليج تايمز" أن تحقق كل من قطر والكويت والبحرين مساهمات تتراوح بين 5 و15 مليار دولار بحلول 2030، مع تزايد اعتماد هذه الدول على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
لا يمكن فصل هذه الأرقام عن التطورات النوعية التي تشهدها المنطقة. فقد كشفت "بلومبرغ" مؤخراً أن شركة "تي إس إم سي" (TSMC) التايوانية، أكبر مصنع للرقاقات الإلكترونية في العالم، تدرس إنشاء مصنع متقدم في الإمارات. وتُعد هذه الخطوة، التي تتم بالتنسيق مع صندوق "أم جي أكس" (MGX) الإماراتي ومشروطة بموافقة أميركية، "رهاناً استراتيجياً" على موقع الخليج كمحور للتصنيع الرقمي العالمي، وليس فقط كمستهلك للتكنولوجيا.
على المستوى البنيوي، تستثمر دول الخليج في البنية التحتية الرقمية على نطاق واسع. فقد بلغت قيمة السوق الخليجية لمراكز البيانات 3,5 مليارات دولار في 2024، ومتوقع أن تتجاوز 9,5 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يفوق 18%. وتشكل السعودية نحو 80% من الطاقة التوسعية المرتقبة من خلال مشاريع كبرى، بالتعاون مع شركات عالمية مثل غوغل وأوراكل.
لكن مقاربة هذه التحولات من منظور الاقتصاد السياسي تُظهر أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تنموية أو تقنية، بل أداة لإعادة توزيع القوة والموارد. فمن يملك الخوارزميات، ومراكز البيانات، وسلاسل التوريد، يمتلك القدرة على تشكيل قواعد الاقتصاد الرقمي القادم وتحديد معايير المنافسة.
وهكذا، فإن دخول دول الخليج إلى معادلة الذكاء الاصطناعي محاولة لإعادة التفاوض على موقعها ضمن النظام العالمي، بعد عقود من التمركز كمورد للطاقة فقط. فمقاربة الذكاء الاصطناعي من هذا المنظور لا تتعلق بالبرمجة والتقنيات فحسب، بل بالبنية التحتية للمعالجة، ومعايير الخصوصية، واحتكار سلاسل القيمة. وهنا، لا يعود دخول الخليج إلى هذا المجال مجرد تحديث تقني، بل تحوّل استراتيجي يعكس إعادة تموضعه في الاقتصاد العالمي الذي يُعاد تشكيله عبر بوابات البيانات والخوارزميات والشرائح السيبرانية.
ما يعزز هذا التوجّه هو ما تمتلكه دول الخليج من أصول غير ملموسة: الثقة السياسية، الاستقرار، والإطار القانوني، ما يؤهلها لتكون بيئة جاذبة لتوطين الذكاء الاصطناعي. لكن التحديات لا تزال قائمة، خاصة في ظل غياب نماذج محلية منافسة للمنصات العالمية مثل "جي بي تي" (GPT) و"ميسترال" (Mistral)، ما يجعل الابتكار المحلي ضرورة استراتيجية.
من هنا تبرز الحاجة إلى سياسات تحفّز إنتاج البيانات عالية الجودة، وتعزّز دور القطاع الخاص في تطوير نماذج مستقلة، إلى جانب تشريعات تُرسّخ مفهوم الملكية السيبرانية وتحوّل البيانات إلى أصل اقتصادي يخدم المصلحة الوطنية. كما تزداد أهمية تبنّي دبلوماسية تكنولوجية خليجية، تؤسس لتحالفات متوازنة مع أوروبا وآسيا، وتبتعد عن استقطابات القوى العظمى، مع الحفاظ على حياد سيبراني يعزز سيادة الخليج الرقمية في عالم تتقاطع فيه التقنية مع الدولة الوطنية.
*كاتب وباحث إماراتي
0 تعليق