"قابلة للكسر" مرآة الروح المتعبة... تانيا صالح لـ"النهار": لا أشعر بأمانٍ في هذا العالم - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"قابلة للكسر" مرآة الروح المتعبة... تانيا صالح لـ"النهار": لا أشعر بأمانٍ في هذا العالم - بوابة الكويت, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 06:20 صباحاً

بوابة الكويت - المشهد الموسيقي غارق في التكرار والضجيج. قليلة هي الأغنيات التي تأتي لتبقى. تانيا صالح، بخلطة فنّية صادقة، تجذبنا إليها. فنانة تمشي خلف معنى الفن، باحثة عن الأبقى في عالم سريع الزوال.

تحفظ تانيا أوجه الحرب؛ تنتمي إلى جيل كان عليه أن يُعيد بناء ذاكرته، وربّما أن يخترع ذاكرة رديفة. "بس خلص"، تقول، "لم أعد كما كنت في صغري؛ أنا الآن أتكسّر وأتحطّم. تانيا الإنسانة لم تعد تشعر بأمان في هذا العالم". يأتي صوتها عبر سمّاعة الهاتف صادقاً، مقهوراً، فيه من الوجع وذلك النُبل الأنيق ما يحملنا على البكاء. "لم أعد بخير؛ أنا قابلة للكسر. Fragile".

وُلد ألبومها السابع بمشقّة مخاض الأوطان. أسمته "قابلة للكسر - Fragile"، وكلّ ما فيها مكسور. الروح أكثر ما يُؤلم لمّا تتحطّم داخل أجسادنا، فنجرّ ثقلها وثقل الخيبات. من حرب إلى حرب، من تهديد إلى تهديد، لا أمان ولا استقرار. "يوم غادرتُ لبنان الشتاء الماضي، لم آخذ معي سوى فرشاة أسنان ومشط وحذاء، وتركت ورائي حياتي وتفاصيل الذكريات"، تقول لـ"النهار" وتعترف بالوهن، "أكلت كفّ. أحبّ دائماً أن أضحك على حالنا. أحياناً نشعر أننا حشرة في هذا العالم".

عشر أغنيات من صميم الواقع. تانيا المشاكسة لا تتخّلى عن روحها الحلوة، تغنّي عن "مرجوحة العمر"، عن "حشرة صغيرة في وسط الكون"، عمّن امتلأ رأسه بأصوات تُخبره أنّ لا قيمة له، "إنت ولا شيء"، وهو في حياة أحباب الروح "كلّ شيء". تُغنّي عن "غسيل دماغ" بتنا نحتاجه في هذه الفترة، عن إنسان لا يجد له مكاناً في هذه الدنيا، تتماهى معه. الأغنية محمّلة بمشاعر الغربة؛ غربة النفس التي يتغذّى عليها الليل والوسواس.

عشر أغنيات تحاول ترميم الشرخ بين الأرض المأزومة والإنسان الحالم. تغنّي تانيا بالصدق الذي عرفناه لمّا دخلت إلى الاستوديو لتسجّل أولى أغنياتها "الجيل الجديد". صوتها يحمل ذلك الشعور الذي كان يعترينا لحظة يفلت الصوت من الكاسيت ويملأ فضاء الغرفة. الصوت هادئ، شبه سردي، لا يسعى نحو الإبهار بالصراخ، يحمل في طيّاته دفء التجربة وخشونة الحقيقة. في "قابلة للكسر"، الذي ينضمّ إلى إخوته في الإتقان، من تقنيّات الغناء والتسجيل إلى الجلسة التصويرية، لا تحاول أن تُرضي الجميع. هكذا عرفناها وهكذا بقيت؛ تختار جمهورها كما تختار كلماتها، بعناية وصدق. تتمسّك بفكرة الألبوم التقليدي في وجه الحداثة التي تفرضها صناعة الموسيقى والشركات الكبرى. "لست أدري إن كنت سأقدّم ألبوماً آخر. لست أكيدة"، تُخبرنا. الروح ليست انهزامية، ولكنّها متعبة ومُثقلة باللكمات. "قد أقدّم موسيقى ولكن ليس بصيغة ألبوم. مشروعي المقبل فيلم رسوم متحرّكة طويل. تعبت من هذا الجو. أحبّ أغنياتي وأحبّ أنّني قدّمتها لكلّ من يحبّ ويقدّر، ولكنّهم قلّة. لا يمكنك أن تعطي بهذه الوفرة وتأخذ القليل. أريد أن أعطي الرسم والتحريك حقّهما".

عرفناها مغنّية، رسامة، شاعرة وملحّنة، ومصمّمة تعرف كيف تمنح أغنيتها هوية بصرية. وأسميناها "فنّانة لكلّ المناسبات". أعمالها الغنائية تترافق غالباً مع رسوم من يدها، وفي حالة ألبوم "قابلة للكسر"، تترافق مع "فيديو كليب" من إدارتها الفنّية - "مطرح" و"قول" - وأخرى بكاميرا المخرج إيلي فهد - "غسيل دماغ" - فتتحوّل الأغنية إلى مشروع شخصي متكامل.

مع "قابلة للكسر"، تعيدنا تانيا إلى الموقع الطبيعي للأغنية: تعبير عن الذات، عن الوطن، عن الحب المتألم، عن المدن التي نحبّها رغم تشوهها. حرب غزة ولبنان تركت أثراً بالغاً في نفسها، "والمجرم ما عاد يكذب حتّى، ولا يحاول أن يغطّي جرائمه"، تقول. تغنّي للحب، للحزن، لغربة النفس، للذين يحبّون الحياة، وتضرب موعداً معهم برفقة المؤلّف الموسيقي خالد مزنّر يوم 30 تموز/يوليو في قلعة سمار جبيل (البترون)، بعد غياب 10 سنوات عن المسرح اللبناني.

وتانيا تسخر، تتهكّم، تبكي وتضحك، وتظلّ قريبة، مألوفة، كأنها صديقة قديمة نلتقي بها صدفة في شارع بيروتي. وتظلّ واحدة من الحالمين، فنانة من زمن آخر، زمنٍ ما زلنا نحتاجه، وربما لم نعشه بعد.

 

الفنانة تانيا صالح.

 

c9d6048e38.jpgألبوم “قابلة للكسر“.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق