نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
توم برّاك إذ يفتح النار على "سايكس- بيكو" وينافح عن "بلاد الشام" #عاجل - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 10:00 مساءً
بوابة الكويت - كتب: عريب الرنتاوي -
لولا أننا نعرف السيد توماس برّاك، وعن أيّ خلفية يصدر، والمهمة التي يجوب المنطقة من أجلها، لانتابنا الشكّ بأنّ الرجل الثمانيني، هو أحد بقايا "البعث" و"القوميين العرب"، و"أكثر القوميين السوريين حماسة"... إذ منذ اليوم الأوّل لتولّيه مهام منصبه، متعدّد الساحات، لم يتوانَ عن فتح النار على اتفاقية "سايكس ـــــ بيكو"، قبل أن ينتقل في سياق مهمته لـ "المنافحة" عن "الهوية المشرقية" ومفهوم "بلاد الشام".
في البدء، كانت تصريحاته صادمة، وظنّ بعضنا أنّ الرجل بصدد مراجعة وتصحيح تاريخ المئة عام الأخيرة في المشرق العربي، وأنه قد يكون نطق باسمه شخصياً، وربما باسم رئيسه متقلّب الأهواء والأمزجة... داعب ذلك مخيّلة البعض منّا، ونظر بعضنا الآخر إلى هذه المواقف، غير المألوفة، وغير المسبوقة، على أنها من مندرجات "تكتيك ذر الرماد في العيون"، وفي مسعى من رجل الأعمال الذي صار دبلوماسياً "على كبر"، بهدف تخدير محدّثيه من العرب، وكسب ودّهم، توطئة لتمرير أخطر مشاريع إدارته على الإطلاق.
بيد أنه بمرور الوقت، بدأت تتكشّف حلقات إضافية في تفكير الرجل ومرامي تصريحاته "الصادمة"... إذ كلما كان يكثر من التصريح والتلميح، كلما كانت تتضح، الأهداف الخبيئة والخبيثة الأبعد لمثل هذه المواقف والمقاربات... فالرجل الذي حمل على "سايكس ـــــ بيكو 1" وخرائطه الاستعمارية المعروفة المستقرة عموماً، إنما كان يسعى في تهيئة التربة لـ "سايكس ـــــ بيكو 2".... الأول، رسم حدود الدول الناشئة وخرائطها تبعاً لنتائج الحرب العالمية الأولى، والثاني يسعى لإعادة ترسميها على حدود الدم، وخطوط الطوائف والمذاهب والأقوام، في ضوء نتائج حروب السنتين الأخيرتين، استكمالاً لنظريات ودعوات لطالما صدرت عن مفكّرين وسياسيّين إسرائيليّين وأميركيّين محافظين، تقترح اعتماد "الطائفة/المذهب/القوم"، عند إعادة رسم الخرائط وترسيم الحدود في المشرق الممتدّ من حوض الرافدين وحتى شرق المتوسط، وربما أبعد من ذلك في مرحلة لاحقة، إن أمكن إنجاز المرحلة الأولى من هذا المشروع.
ونتعذر من سمير أمين، إذ نستعير مقاربته عن "المركز والمحيط" في عوالم الاقتصاد والتوزيع غير العادل للدخل والثروة عالمياً، لنقول إنّ ثمّة "مركزاً" و"محيطاً" في مقاربة برّاك للمشهد الإقليمي، بدءاً بسوريا ولبنان... إذ يتضح أنّ عقل الرجل (ومن هم وراءه) تفتّق عن فرضيّة أنّ ثمّة "مركزاً" سنّياً وازناً، بؤرته دمشق، في ظلّ قيادتها الجديدة، ذات الخلفية السلفية الجهادية، وثمّة "محيطات" وليس "محيطاً" واحداً، تدور في فلكها، تشمل من ضمن ما تشمل، لبنان والحركة الكردية والمكوّنات الأخرى، في سوريا ابتداءً، وقد تمتد الأحلام والأطماع السوداء إلى العراق، وما بعده.
في سياق كهذا، يمكن فهم التسارع الأميركي، في رفع العقوبات عن سوريا والهيئة والشرع، وفيه أيضاً يمكن فهم تقبّل واشنطن للطريقة السورية في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، بوصفهم "رصيداً احتياطياً" سيستخدم عند الحاجة، إن لمواجهة إيران وحلفائها ومعارضي النظام الجديد، أو للحدّ من نفوذ موسكو وبكين... وفي السياق ذاته، يمكن فهم تصريحات برّاك، التي عبّر فيها عن ثقة لا تتزعزع بالشرع وحكومته وجيشه الجديد، ويمكن فهم "التثمين العالي" الذي تضمّنته تصريحات ترامب للشرع، بوصفه القائد القوي، الطيب والشجاع.
وبهذا المعنى كذلك، يمكن الافتراض، أنّ مقاربة برّاك، تشكّل في مضمونها، وجهاً آخر لنظرية "حلف الأقليات"، المتحرّكة والمتغيّرة، وفقاً لمصالح وحسابات الهيمنة الأميركية ـــــ الإسرائيلية المشتركة على المنطقة، بيد أنها بخلاف المقاربة الإسرائيلية، التي راهنت على الأقليات في سوريا لمقارعة النظام السوري، في طبعتَيه القديمة والجديدة، فإنّ مقاربته تقترح "التعويل" على المركز السنّي، وإلحاق "الأقليات" به، بوصفها "بؤراً" و"محميات" محاطة ببحر من الأغلبية العربية – السنيّة.
حين ينقل السيد برّاك، بندقيته من كتف "قسد" إلى كتف الشرع، ويشرع في كيل الاتهامات لكرد سوريا عن التباطؤ والتقصير، ويعيد صياغة الالتزامات الأميركية حيالهم، بما يساعد الإدارة السورية الجديدة، وحين يرتئي الاشتباك مع حلفاء الأمس لصالح حليف اليوم، فهذا ينهض كشاهد على تبدّل النظرة والمقاربة الأميركيتين.
وحين يلوّح برّاك للبنان مهدّداً، بالعودة إلى صيغة "بلاد الشام"، بما تعنيه من "تلزيم" لبنان لسوريا الجديدة، إن ظلّ حال لبنان على هذا المنوال، وتحديداً لجهة التردّد والمراوحة في نزع سلاح حزب الله، فإنّ هذه المقاربة، تنهض كشاهد آخر على ما يرمي إليه الرجل من وراء فتح ملفات "سايكس ـــــ بيكو"، واستعارة مفردات مُستلّة من قاموس الحزب القومي السوري الاجتماعي.
بعض اللبنانيين، يصدرون عن "موقف سيادي" رافض للتلزيم، وهذا من حقّهم، وغالباً ما تعكس هذه المواقف "نبل مقاصد" البعض منهم على أقلّ تقدير... بيد أنّ ذلك يجب ألّا يعني للحظة واحدة، أنّ "سيناريو التلزيم" الذي وقع في 1976، إبّان التدخّل السوري في لبنان، والذي جاء بطلب من فريق من اللبنانيين، وحظي بالتغطية العربية والضوء الأخضر الأميركي ـــــ الإسرائيلي، لا يمكن أن يتكرّر، فثمّة فريق من المسيحيين، الذين استدعوا التدخّل السوري من قبل، قد يجدون في إعادة إنتاجه، ملاذاً ومخرجاً من "مأزق" سلاح حزب الله، وثمّة "يقظة" سنيّة على وقع التغيير في سوريا، ليست في صالح "السنيّة السياسية" كما جسّدتها عائلاتها المعروفة، وبالذات "الحريرية السياسية"، وشيئاً فشيئاً، قد يصبح أحمد الشرع، اللاعب السنيّ الأول في لبنان، وثمّة شواهد دالّة على ذلك، ليست هذه المقالة، مكاناً لاستعراضها.
لماذا هذا "الانقلاب" في المقاربة الأميركية؟
لا يمكن فهم هذا التحوّل في المقاربة الأميركية، كما يعبّر عنها توم برّاك، بمعزل عن زلزال الثامن من كانون الأول/ديسمبر، والذي هو في واقع الحال، أحد الارتدادات الكبرى، لزلزال السابع من تشرين الأول/أكتوبر... لسوريا الجديدة من منظور أميركي "مكانة استراتيجية" في الحسابات الأميركية... والحسابات الأميركية (اقرأ المصالح) إنما تتقدّمها محاربة إيران وحلفائها، وتصفية ما تبقّى من عناصر القوة والاقتدار، لدى محور "صادف" أنّ معظم مكوّناته، تنتمي إلى لون مذهبي وعقائدي واحد... من غير دمشق، تحت الشرع والهيئة، يمكنها أن تكون "شريكاً موثوقاً" للقيام بهذه المهمة؟... من أكثر من النظام الجديد يمكن التعويل عليه، وهو الذي لا يحتاج للتحريض على هذا "المحور"، ويبدي استعداداً وجاهزية للتطوّع لأداء هذه المهمة "الجهادية المقدّسة"؟...
في بلدان أخرى، وساحات عربية وإسلامية، متساوقة مع واشنطن، تحتاج الأخيرة إلى بذل مزيد من الجهود والضغوط، لجلبها إلى خنادق العداء لإيران وحلفائها، الحالة السورية الجديدة، ليست بحاجة إلى ذلك، وهي تعفي الولايات المتحدة من عناء بذل الجهد وممارسة الضغوط.
وعلى فرض أنّ قتال "داعش"، هو أولوية أخرى للولايات المتحدة في سوريا وجوارها، فمن أفضل من "الداعشين السابقين" لأداء هذه المهمة... دمشق الجديدة، تضع "فلول داعش" إلى جانب "فلول النظام"، بوصفهما التهديد الأكبر لأمن النظام واستقراره، ولطالما كانت العلاقة بين "تنظيم الدولة" و"وإمارة الهيئة"، ذات طابع عدائي "صفري"، قبل وبعد التغيير في سوريا، وبين الطرفين "ما صنع الحدّاد".
حفظ أمن "إسرائيل" وصون حدودها، والشروع في تطبيع العلاقات معها، هي مصلحة أميركية عليا في سوريا والإقليم، وما وراءهما... هنا، وهنا بالذات، أظهرت الإدارة الجديدة من الإشارات الدالّة على الرغبة في طيّ صفحة العداء بين الطرفين، ما يفيض عن الحاجة، وقدّمت عشرات الأمثلة للبرهنة على "صدق نيّاتها"... من التصريحات، رفيعة المستوى، التي تنزع عن "إسرائيل" صفة "العدو" برغم استمرار احتلالها، القديم والجديد، لأراضٍ سورية، وتماديها في العربدة والاستباحة للأراضي والسماوات السورية... إلى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع "تل أبيب" في عدة عواصم، مروراً بالحملة المنهجية المنظّمة على الوجود الفلسطيني في سوريا، والتي لم تقتصر على الفصائل، بل امتدت لنزع صفة "اللاجئ" عن نصف مليون فلسطيني، أو يزيد، واستبدالها بصفة "أجنبي مقيم"... رسائل "حسن النيّة" التي تبعث بها دمشق، لا تنقطع، وثمّة وسطاء كثر تطوّعوا لنقلها وتبادلها بين الطرفين، قبل أن تنتفي الحاجة إلى ذلك، مع تأسيس قنوات تفاوض مباشر بينهما.
هنا، نفتح قوسين لسؤال لن نتجشّم عناء الإجابة عنه في هذه المقالة، ويتعلّق بأدوار واصطفافات "السلفيات الجهادية" على خريطة الصراع الإقليمي والعالمي... من "يقظة هذه الفصائل" في دول الساحل والصحراء بعد طردها للاستعمار الفرنسي القديم ـــــ الجديد، إلى دورها في اليمن، تحت مظلة التحالف العربي، وارتمائها في إحضان التحالف الدولي، وخروجها على الإجماع الشعبي اليميني، في إبداء الانفتاح على "إسرائيل"، مروراً بأدوارها في سوريا والعراق ولبنان وغزة وغيرها من الساحات المفتوحة على الصراعات والأزمات... ظاهرة تستحقّ المتابعة، وسؤال يبحث عن إجابة.
كيف نظرت "إسرائيل" لتحوّلات السيد برّاك؟
تطوّر الموقف الإسرائيلي من النظام الجديد في سوريا من "العداء" النابع من أعمق المخاوف والشكوك وما ترتّب على هذه النظرة، من اعتداءات لتجريده من مقدّرات سلفه، العسكرية بخاصة، وإشهاره سيف "حلف الأقليات"، بما استدعى دعماً غير مسبوق لجرمانا والسويداء، وقنوات سالكة مع شمال شرقي البلاد، مروراً بفرض منطقة عازلة وشريط أمني في عمق المحافظات الجنوبية.... أقول، تطوّر هذا الموقف، إلى إبداء الاستعداد للتعاون، والانخراط في مفاوضات مع دمشق، شريط ألا يكون الجولان المحتل على جداول أعمالها، بل ووفقاً لإدارة ترامب، فإنّ "تل أبيب" هي من حضّ وشجّع واشنطن، على التسريع في رفع العقوبات عن نظام أحمد الشرع، وهيئة تحرير الشام.
يبدو أنّ واشنطن، تمكّنت من إقناع "تل أبيب" بأنّ بقاء النظام في سوريا، وتعزيز مكانته، كفيلان بإخراج سوريا من معادلة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، بل ويجعلانه في صدارة الصفوف المناوئة لأهمّ عدوّين لها: طهران والضاحية الجنوبية.... والراجح، أنّ "تل أبيب"، اختارت إعطاء الأولوية للتعامل مع "تهديد قائم"، حتى وإن انطوت المحاولة على مجازفة التعاون مع "تهديد مضمر وبعيد"... المقاربة الإسرائيلية تبدّلت بدورها، خلال الأشهر الفائتة، وباتت أكثر اتساقاً مع المقاربة الأميركية، وسيكشف مقبل الأيام، المزيد عن فصول التعاون بين دولتين، لم يجمعهما سوى العداء الممتدّ منذ قيام الكيان في 1948، وحتى خواتيم العام 2024، وهو عداء لا تقلّل من شأنه فترات الهدوء الممتدة على جبهة الجولان، ولا استنكاف نظام الأسد عن الانخراط بفاعلية في حروب "المحور" المتعاقبة.
راهن العلاقة بين دمشق و"تل أبيب" ومستقبلها
ليس ثمّة من خيار سهل يمكن لدمشق أن تسلكه، لا هي قادرة على الانخراط في حرب أو "مقاومة" ضدّ "إسرائيل"، بحكم بنية النظام وإرثه وتهالك الدولة وخراب مؤسساتها، فضلاً عن الخانقة الاقتصادية والمالية التي تعتصرها.... ولا هي قادرة في المقابل، على الذهاب في مشوار "التطبيع" حتى نهاياته، فـ "إسرائيل" التي احتفت باعتراف ترامب بسيادتها على الجولان في ولايته الأولى، لن تطلب منه، في ولايته الثانية، التوسّط مع دمشق لإبرام صفقة تشتمل على الجولان... "إسرائيل" ترغب في تطبيع يبقي الجولان تحت احتلالها، وتلكم عقبة كؤود أمام أيّ تقدّم صوب خط النهاية على هذا المضمار الإبراهيمي.
ثمّ، إنّ الشرع، وحلفاءه الجدد والقدامى، يدركون أتمّ الإدراك، أنّ قراراً بالتطبيع الكامل، مع إسقاط الجولان من الحسابات والمطالبات السورية، يعني أنّ الرجل وإدارته، سيكونان كمن أطلق النار على رأسه وليس على قدميه فقط... والأهمّ من قبل ومن بعد، أنّ الرئيس والإدارة، في طور انتقالي، لا يمتلكان تفويضاً شعبياً ودستورياً، للتخلّي عن أراضٍ سورية محتلة، كما أنّ المراقب يتساءل: هل يجرؤ الشرع على قبول ما سبق لغريمه الأسد، أن رفضه، في عهدَي الأب والابن؟
في ظل هذه الحسابات، يبدو من المرجّح، أن تذهب دمشق إلى محادثات تسعى في إحياء اتفاقية فكّ الاشتباك التي توسّط هنري كيسنجر لإنجازها بين دمشق و"تل أبيب" في العام 1974... لكن مع تبدّل الظروف، وتغيّر موازين القوى، فإنّ من المرجّح أن يصل الجانبان إلى "اتفاقية 1974 بلس"، ودائماً لصالح "إسرائيل"، إن لجهة فرض خطوط حمر إضافية أمام انتشار الجيش السوري في المحافظات الجنوبية، أو لجهة الاستيلاء على "نصيب الأسد" من مياه اليرموك وحوضه، أو لجهة فرض ترتيبات على قمم جبل الشيخ، لا تعيده منصة مشرّفة للجيش السوري، بل تجرّده من قيمته الاستراتيجية، وقد تحيله إلى منصة إسرائيلية للتجسس والرقابة والإنذار المبكر، كاشفة لأجزاء واسعة من سوريا ولبنان.
يقول الجانب السوري، إنّ ما يجري مع "تل أبيب"، هو تفاوض أمني، قصد الوصول إلى اتفاق أمني، يسترجع اتفاق 74، والحقيقة أنّ ثمّة أبعاداً سياسية وإعلامية وربما اقتصادية، ستصاحب هذا الاتفاق، وأوّل الرقص على هذا الطريق، "حنجلة المفاوضات المباشرة"، لكننا مع ذلك، نصدّق السوريين وهم يقولون إنهم ليسوا ذاهبين إلى تطبيع كامل، أقلّه في المدى المنظور، وإنهم ليسوا بوارد التغريد بعيداً، خارج السرب السعودي، وإنّ حركتهم الدبلوماسية، تحلّق بجناحين، سعودي وتركي، ولهذا السبب بالذات، لا نستبعد أن يكون التطبيع الكامل، هو نهاية مطاف هذه الحركة وليس بدايتها... بعد حين يطول أو يقصر، بالجولان أو من دونه، أو بجزء منه.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : توم برّاك إذ يفتح النار على "سايكس- بيكو" وينافح عن "بلاد الشام" #عاجل - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 10:00 مساءً
0 تعليق