القصص والأساطير الشعبية في ثقافات الشعوب - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القصص والأساطير الشعبية في ثقافات الشعوب - بوابة الكويت, اليوم السبت 12 يوليو 2025 11:42 صباحاً

بوابة الكويت - منذ أن بدأ الإنسان في سرد الحكايات حول النار وتحت السماء، شكّلت القصص والأساطير الشعبية جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الشعوب وهويتها الثقافية. لم تكن هذه الحكايات مجرد وسيلة للتسلية أو تمرير الوقت، بل كانت انعكاسًا للقيم، والمخاوف، والتطلعات، والتجارب التي مرّت بها المجتمعات على مر العصور. وفي تنقلها بين الأجيال، أصبحت هذه القصص بمثابة تراث شفهي حيّ، يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الشعوب وسيلة لفهم العالم والتعبير عن ذاتها.

الأساطير الشعبية، من تنين الصين إلى الغول في الحكايات العربية، ومن مخلوقات الغابة في أفريقيا إلى أبطال الإغريق، تقدم صورًا رمزية غنية تتعدى الخيال لتُعبّر عن صراعات الإنسان مع الطبيعة، ومع قوى الخير والشر، وحتى مع نفسه. ورغم تنوع البيئات والثقافات، تظل هناك خيوط إنسانية مشتركة تظهر في أغلب الحكايات: الشجاعة، الحب، الخيانة، الحكمة، والمصير، ما يجعل هذه القصص صالحة لكل زمان ومكان.

الحكاية الشعبية كمرآة للهوية

القصص الشعبية هي وسيلة الشعوب للتعريف بنفسها، ونقل خبراتها ومعتقداتها من جيل إلى آخر. في المجتمعات القبلية، كانت الحكاية وسيلة للتعليم، تُروى للأطفال لتعليمهم الشجاعة أو الحذر أو الصبر، دون أن تُلقى عليهم المواعظ بشكل مباشر. في كثير من الثقافات، نرى أن الأبطال في القصص ليسوا بالضرورة ملوكًا أو أقوياء، بل هم فقراء أو أذكياء أو حتى مخلوقات صغيرة تنتصر بالحيلة، كما في حكايات الأرنب في الفولكلور الأفريقي أو شخصية "جُحا" في العالم العربي.

وتُظهر هذه القصص طبيعة المجتمعات التي أنتجتها: ففي المناطق الزراعية تنتشر الحكايات المرتبطة بالأرض والحصاد، بينما في المجتمعات الساحلية تدور الحكايات حول البحر والمخلوقات الأسطورية التي تسكنه. كما تُستخدم الرموز والأساليب المختلفة لتعكس البنية الاجتماعية والقيم الدينية والأعراف الأخلاقية، مما يجعل لكل قصة طابعًا فريدًا، حتى وإن تشابه مضمونها مع حكايات من ثقافات أخرى.

عناصر سحرية ومخلوقات غريبة

غالبًا ما تحتوي الأساطير الشعبية على عناصر خارقة أو كائنات غير مألوفة، مثل العفاريت، والتنين، والجن، والجان، والعمالقة. هذه العناصر لم تكن مجرد زينة قصصية، بل هي تجسيد لمخاوف الإنسان من المجهول، ومحاولته لفهم الظواهر الطبيعية أو تفسير الأحداث الغريبة التي لم تكن له إجابة علمية عنها في الماضي. وهكذا وُلدت أساطير المطر، والحرب، والنار، والخلق، وانتشرت بين الناس بقوة التأثير والشعور الجماعي.

ومع أن الخرافة والأسطورة قد تفقد قيمتها العلمية بمرور الزمن، إلا أنها تظل تحظى بأهمية رمزية وثقافية، إذ تعبّر عن العلاقة الروحية التي ربطت الإنسان بعناصر الطبيعة والقوى الغيبية. كما تتيح هذه القصص للناس التعبير عن المأساة والفرح والحب والفقدان بطرق شعرية غنية، ما يفسر استمرارها حتى اليوم في المسرح والأدب والسينما.

توارث وتحوّل الحكايات عبر الأجيال

ما يُميز القصص والأساطير الشعبية هو قدرتها على التحول والتكيف، فهي ليست نصوصًا جامدة، بل كائنات حية تتغير مع الزمن ومع الرواة. فكل راوٍ يضيف من خياله أو من تجربته شيئًا، وكل جيل يعيد تفسير القصة وفق ظروفه وثقافته. ولهذا، قد نجد القصة نفسها في ثقافات متعددة بأسماء وأشكال مختلفة، ولكن بروح واحدة.

ومع تطور وسائل الإعلام وظهور الإنترنت، عادت القصص الشعبية لتأخذ أشكالًا جديدة، سواء في أفلام الرسوم المتحركة، أو في الروايات المعاصرة، أو حتى على لسان المؤثرين في وسائل التواصل. لقد أصبحت هذه الحكايات جسرًا بين الماضي والحداثة، وتعبيرًا دائمًا عن حاجة الإنسان لسرد القصص من أجل أن يفهم العالم ويفهم نفسه.

في النهاية، تبقى الأساطير والقصص الشعبية جزءًا لا يتجزأ من نسيج الذاكرة الإنسانية. إنها ليست مجرد روايات تُحكى قبل النوم، بل هي كنوز ثقافية حيّة، تحفظ الحكمة القديمة، وتعكس روح الشعوب وتطلعاتها، وتمنح الإنسان، في كل مكان وزمان، فرصة لأن يتأمل، ويتخيل، ويتواصل مع الآخرين من خلال الحكاية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق