نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حنينٌ وعبقُ أرضٍ في كتاب "كاره وكواره" لكارولين زعرب طايع - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 11 يوليو 2025 11:58 صباحاً
لا يهتمّ بالطبيعة والتراث، إلّا أبناء الطبيعة والتراث. لذلك، وبعدما ذهب عدد كبير من كتّاب الأدب الريفي إلى ربّهم، أوكل أمر متابعة الرسالة إلى كارولين زعرب، ابنة الطبيعة البكر، والتراب والماء والهواء... والأصالة القرويّة.
أقامت الزعربيّة الماضي القريب، واستعرضت مع القارئ الأيّام الخوالي. فمن منّا لم يزره الفقر والعذاب، ولم تطرق أبواب قلبه الأفراح والأتراح؟ فهل آن أوان الحكاية؟
لم تدع المؤلّفة ذلك الماضي نائماً وراء بهرجة الحاضر، فاستعرضت المشاهد والأحداث المتسارعة المتنوّعة، التي سادت فيها المحبّة والألفة والبساطة الجميلة.
أفلا يحقّ لنا أن نسأل:
أين جمال بلاد البشارة، التي أخذت منها وكتبت عنها كارولين؟ أينها بعد الحروب المتتالية التي اجتاحت الجنوب عامة وبخاصة جبل عامل؟ وكيف تحوّلت السهول المزروعة بنبتة التبغ، والتلال التي تغاوت عليها شجرات الزيتون إلى حقول ألغام؟ ومن حاك هذه المؤامرة التي دنّست طهر التراب والسفوح البهيّة الحالمة؟
أتت صفحات الكتاب من عالمٍ طافحٍ بالعذاب الجميل، والقهر المقرور، والبؤس والجوع، وليس بالانحناء أمام مصاعب الحياة. فمن لم يأتِ من الجيل القديم على ذكر تلك الحياة الريفيّة، كأنّه أحرق الذاكرة. لكن كارولين طايع لم تخفِ عن أبناء هذا الجيل الطالع، مجمل ما في ذلك الماضي من فرح وعذاب، وأمور مخجلة قام بها السلف بحسب رأي هذا الجيل. وجعلت كلّ من يقرأ "كارة وكوارة" يفتخر ويعتزّ بتصرفات الأجداد، نسبة إلى ما يجري اليوم من خداع، ونفاق، ومفاسد، وتجارة بالأرواح والدين والأوطان.
جاءت لغة الكتاب وأسلوب السرد، كما يشاء من يشتهي العودة إلى ماضٍ جميل، إلى أيّام كان فيها الفكر صافياً، ولم يُسمّم بالكراهيّة والحقد والبغضاء. وأتت الحوارات كبوح الذات للذات، لأنّه قد رحل من تحاور ومن استمع إلى الحوار.
مع كارولين زعرب طايع هذّبنا الحبّ العذريّ: "يخرب بيتو عيونو شو حلوين" (صفحة 29). وتِقنا إلى عادات قديمة، قِدم طيبة القلوب: "بنصّ العرس قرّبت غزالة عَ العرسان وبإيدا إبرة وخيط مش معقود. صارت تشكّ الإبرة والخيط بكِمّ بدلة العريس وترجع تطلّعا وتشكّا بفستان العروس وتسحب الخيط. ضلّت شي ربع ساعة تعيد وتعيد، وبعد كزا مرّة ابتسمت غزاله، همّ وراح عنّا، هلّق حياتن رح تكون بلا عقد، وبلا مشاكل" (صفحة 58). وانهزم حنيننا مع أفول صناعة الحرير الطبيعيّ، وانتصرت دمعة أحيت بسمة فلّاح بعد لقاء حديد منجل بذهب سنابل. وكلّما أدهشت عروس عريسها بجمالها البريء الباهر الطاهر، انتابها خجل العذارى في ليلة الدخلة.
خلال الحروب، تصبح الكتابة حسرة، والاستشهاد وعداً للمجد، والدموع قدر العَلَم. ويذهب الحلم بالوطن إلى الحزن الساكن بالشعب العظيم. فكمّ مرّة كفّن العلم شهيداً، في لحظات انبلاج فجر الوطنيّة، فوق أفق وطن غطّاه غيم أسود لا يزول. وحده الشهيد تأنّق بضياء الخلود: "وضربوا رفقاتو بالهوا سبع طلقات، ونزلت دمعة عَلَم عَ جراحو، عميبكي عَ لّي راحوا" (صفحة 155).
هل شكت كارولين زعرب طايع الحاضر إلى الماضي في كتابها القصصيّ "كاره وكواره"، وخلال شكواها ظهر ما بقي من نوستالجيا على شريط ذاكرتنا التي فاح منها عبق الأرض؟
0 تعليق