نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فلافل بطعم الدم - بوابة الكويت, اليوم الخميس 10 يوليو 2025 10:38 صباحاً
بوابة الكويت - محمد حسين - سوريا
كانت السماءُ صافيةً، خاليةً من الطيرانِ على غيرِ عادتِها، الشمسُ الصباحيةُ تحاولُ التسللَ من شقوقِ الخيمةِ المصابةِ بشظايا صاروخٍ سابقٍ، أبو أحمد يضعُ ما تيسرَ له من بقايا الخبزِ في الكيسِ الأبيض، يطلقُ زفرةً تعانقُ صدرَ السماءِ، يخرجُ حممَ أثقالهِ من صدرهِ الجافِ، ينظرُ إلى ابنهِ أحمد ذي العشرةِ أعوامٍ المستغرقَ في نومهِ، يضعُ يدهُ على جبينهِ يمسحُ حباتِ العرقِ عنهُ (إلك يومين يابا ما أكلتش) سأجلبُ لك كيساً من الطحينِ وبعضَ المعلباتِ حتى لو كلّفني ذلكَ حياتي، يستيقظُ أحمد على صوتِ والده، يأخذُ جرعةً كبيرةً من الماءِ علها تسكّنُ أوجاعَ معدتهِ الفارغةِ، أبو أحمد: اسمعْ يا ولدي لديّ قطعةً من النقودِ، اذهبْ واشترِ بها فلافل، سرتْ كلماتُ والدهِ على جسدهِ النحيلِ كتيارٍ كهربائيّ أصيبَ بقشعيرةٍ، صرخَ بأعلى صوتهِ: فلافل!! أخذَ قطعةَ النقودِ من يدِ والدهِ وهرعَ راكضاً إلى محلِ الفلافل الذي لا يبعدُ عن خيمتِهم سوى مئاتِ الأمتارِ، بعدَ دقائقَ فقطْ صوتُ انفجارٍ عنيفٍ يضربُ المنطقةَ، طيرانٌ يرمي بحممهِ، صدرُ أبو أحمد أصبحَ مثلَ نارِ الفرنِ، انتابهُ شيء غريب، زوجتهُ فاطمة تجلسُ قربهُ ترفعُ يديها إلى السماءِ وتتمتمُ بكلماتٍ تكادُ تخرجُ من فمها، أبو أحمد: اذهبي يا فاطمة لم أعدْ أستطيعُ الوقوفَ على قدميّ، ذهبتْ فاطمة إلى محلِ الفلافل، دخانٌ أسودٌ يلفُ المكانَ، جثثٌ متناثرةٌ، بحثتْ عن طفلِها فلم تجدهُ، أكملتْ طريقَها إلى المشفى رأتهُ على مدخلِ الاستقبالِ برفقةِ الشهداءِ حتى يتمُ التعرفَ عليهم هرعتْ نحوهُ بكتْ ثم بكتْ حتى انشطرَ قلبها وهي تصرخُ (والله مات وهو جوعان، كان رايح يجيب فلافل ياكل، ما أكلش من يومين!) كان أحدُ الصحافيينَ من وكالةِ رويترز يتحدثُ عبرَ الهواءِ مباشرةً ينقلُ تفاصيلَ الغارةِ للعالمِ الأخرسِ فإذا به يشاهدُ طفلهُ بين المصابين يحملهُ مسعفٌ ويهرولُ به مسرعاً نحو القسمِ، توقفَ الصحافيّ للحظةٍ عن الحديثِ، كانت الصدمةُ وكأنها صاعقةً قد أصابتْ قلبهُ! حاولَ الدخولَ إلى قسمِ الإسعافِ لكن حراسَ المشفى منعوهُ من الدخولِ، بدأَ زملاءُ الصحافيّ يرتبون الأمرَ حتى يستطيعُ الدخولَ للاطمئنانِ على طفلهِ، عادَ الصحافيّ إلى الخارجِ في ساحةِ الاستقبالِ نظرَ إلى وجهِ الطفلِ أحمد ثم قال (ما شاء الله تبارك الرحمن... وجههُ منيرٌ كبهاءِ القمرِ) جلسَ على ركبتيهِ يقبلُ جبينهُ وهمسَ في أذنهِ (هل أخبرتَ اللهَ أنكَ استشهدتَ وأنتَ جائعٌ؟ أخبرهُ عنا نحنُ أيضاً يا صغيري قلْ لهُ نحنُ جائعون !). سقطتْ دموعُ الصحافيّ على جبينِ أحمد لتمتزجَ بدمهِ الذي يكسو وجههُ مسكاً، ظنَّ الحاضرون أن الصحافيّ أبٌ للطفلِ أحمد، لكنْ سرعانَ ما وقفَ وصرخَ دونَ وعي !!
(استُشهِدَ وهو جائعٌ، لا أشبعَكمُ الله)
نسيَ طفلهُ وتجاهلَ اتصالاتِ زوجتهِ ومن حاولَ الوصولَ إليهِ للاطمئنانِ عنه وبقيَ جالساً على قارعةِ المشفى يبكي على الهواءِ ويقولَ
(يارب يكون بالجنة بياكل وشبعان).
فاطمة التي وقفتْ في أقصى زاويةٍ من ساحةِ المشفى ترقبُ المشهدَ بذهولٍ، تقدمتْ ثانيةً من ابنها الذي ارتدى ثوبهُ الأبيضَ الملائكيّ، صرختْ بأعلى صوتِها (هو صحيح جوعان بس شبعان كرامة أسفي على أمة شبعانة أكل بس ما فيها...)
0 تعليق