الحقوق المكتسبة في عقود الإيجار واستغلال خدعة "تدنّي البدل للإيجار": قراءة تاريخيّة وتشريعيّة - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحقوق المكتسبة في عقود الإيجار واستغلال خدعة "تدنّي البدل للإيجار": قراءة تاريخيّة وتشريعيّة - بوابة الكويت, اليوم الخميس 10 يوليو 2025 04:07 صباحاً

بوابة الكويت - د. عباس حسن وهبي*

 

تعود بداية تنظيم عقود الإيجار في لبنان إلى ما قبل عام 1932، حيث كانت العقود رضائية وتستند إلى العرف المحلي والشريعة أو مجلة الأحكام العدلية العثمانية، لكن مع اندلاع الأزمات الاقتصادية والسكنية في أربعينيات القرن الماضي، شرع المشرّع اللبناني بإصدار قوانين استثنائية تحمي المستأجرين، أبرزها القانون 159/49، ثم قانون التمديد الإلزامي الرقم 10/74 الذي شكّل أساس حماية العقود القديمة، وصولاً إلى قانون 160/92 الذي ميّز بين العقود القديمة والجديدة، وكرّس الضمانات القانونية للمستأجرين ما قبل 1992.

 

وإذا كان العقد خاضعاً لقانون الإيجارات القديمة (قبل 1992): يُعتبر المستأجر قد اكتسب حقاً في الإشغال، حتى لو لم يكن الخلو منصوصاً عليه قانوناً. وإذا دفع المستأجر خلواً لمستأجر سابق، فهو يُعتبر قد حلّ محلّه قانوناً، ويكتسب حقوق التمديد.

منذ الحقبة العثمانية، تمايزت المرجعيات الدينية في امتلاك العقارات الوقفية، حيث امتلكت المؤسسات المسيحية مساحات واسعة بفضل امتيازات ضريبية، وكذلك المرجعيات السنية التي وثّقت أوقافها رسمياً، بينما بقيت الأوقاف الشيعية في معظمها غير موثّقة. هذا التفاوت ترك أثراً في التوزيع العقاري والمؤسساتي حتى اليوم.

أما عقود "الخلو"، فكانت ولا تزال تُعتبر ضمانة مالية وقانونية للمستأجر، والقضاء اللبناني أقرّ بها كعرف ملزم، واعتبر في اجتهادات بارزة (مثل التمييز المدني الرقم 104/2019) أن ّالمالك الذي يوقّع على عقد مع مستأجر جديد ضمن عقد قديم يُعتبر موافقاً على الحلول القانوني، وبالتالي فإن الضمانة تنتقل للمستأجر الجديد ضمن العلاقة الاستثنائية. وعليه، العقود القديمة التي تتضمّن خلواً تعتبر من حيث الواقع والفقه والقضاء نوعاً من "الملكية الاقتصادية للمنفعة"، ويُستحق عنها تعويض عند الإخلاء، تماماً كما هي الحال في فرنسا حيث يُمنح المستأجر التجاري تعويضاً كبيراً إذا أُجبر على الإخلاء....

ومع صدور القانون الرقم 1/2025، نحن أمام محاولة واضحة لمصادرة هذه الحقوق تحت ذريعة تحرير الإيجارات. إنّ هذا القانون يناقض المادة 15 من الدستور اللبناني، التي تنصّ على حماية الملكية وعدم نزعها إلا للمنفعة العامة وبموجب تعويض عادل. كما أنه يتعارض مع قانون المؤسسة التجارية الرقم 11/67، الذي يكرّس الحقوق المكتسبة والملكية التجارية. وكان لا بدّ من الطعن به أمام المجلس الدستوري الموقر .

الادّعاء القائل إن المالكين كانوا يتقاضون "دولاراً أو دولارين" شهرياً على مرّ السنين لا يصمد أمام الوقائع. فالزيادات على بدلات الإيجار حصلت مراراً، واستندت إلى قوانين مرتبطة بمعدل التضخم ومراسيم غلاء المعيشة، لا سيما في السنوات: 1974، 1982، 1992، 2008، و2014. وقد ظلّ المالكون يتقاضون خلوات عند الإخلاء، ويعدّلون وجهة الاستعمال، ما يدل إلى استفادتهم الفعلية. حتى عام 2019، كانت بدلات الإيجارات عادلة ، قبل أن تهبط بسبب الانهيار الاقتصادي، الذي طال شريحة واسعة من الشعب اللبناني. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ أستاذ الجامعة قد هبط مردوده من 4000$ إلى حوالي 300$. أو أقل.

 

المأساة لم تكن في تدني بدل الإيجار بل في تغييب الحلول المنصفة. فالمشرّع امتنع عن تعديل بدلات الإيجارات التي هوت بسبب الأزمة الاقتصادية، لأنّ المرحلة من 2019 إلى منتصف عام 2023 كانت أغلبية الشعب اللبناني تعاني الأمرّين، وكانت أسعار المواد الحياتية مدعومة، فإذا كان بعض المستأجرين على سبيل المثال يدفعون بدلاً من 1200000ليرة ما يعادل 800$، فيكون قد تهاوى إلى 13.8$ وصولاً إلى 20000000 ليرة اي 13333$ فيكون قد تهاوى إلى 224.71$ وما فوق، وذلك حسب المنطقة والمساحة للمأجور وغيرها، ولجأ المشرّع إلى التشريع الاستثنائي بغرض تحرير الإيجارات غير عابئ بأحد، بل من أجل غايات أصبحت مفضوحة! ولا سيما أنه حسب شركة الإحصاء الدولية للمعلومات يبلغ عدد المؤسسات التجارية والصناعية والمهنية والحرفية التى لديها عقود إيجار قديمة في لبنان 190 ألف مؤسسة، منها 132 ألف مؤسسة يعمل بها فرد واحد أو فردان، والقانون 25/11 لا يراعي المبادئ الدستورية كالمادة 7 (المساواة)، المادة 9 (المبادرة الفردية)، ويهدّد بإقفال أكثر من 360 مدرسة رسمية، ويضرّ بمئات العائلات.

إنّ تحرير الإيجارات هو مصادرة منظمة لحقوق المستأجرين، لأنه غير مبرّر دستورياً، ويمثّل تعدّياً على حقوق مستقرّة تشريعياً واجتهادياً. ومقولة "البدل المتدني" كمبرّر لنسف التوازن القانوني والاجتماعي هي مرفوضة تماماً. القانون يجب أن يُنصف كلا الطرفين في إطار رؤية عادلة، لا أن يُوظّف لمصلحة اللوبيات العقارية والإثراء غير المشروع. فلبنان لا يحتاج إلى تشريع فئوي، بل إلى دولة قانون رؤوفة وحازمة تحمي الحقوق وتؤسّس لاقتصاد مستدام...

 

*كاتب وباحث

 

- المقاربة الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق