نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
منطقة في مهب التحوّلات... من يصوغ السلام الآتي؟ - بوابة الكويت, اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 04:18 صباحاً
بوابة الكويت - لا تزال المنطقة تنزف من جروحها، والمخاوف من جولة صراع جديدة تتفاقم، رغم هدوء المدافع. وبينما يتنفس الشرق الأوسط هدنة موقتة بعد حرب الأيام الإثني عشر بين إسرائيل وإيران، إلا أن جذور الأزمات لم تُقتلع بعد. بعض الأنظمة يستغل الحروب لتثبيت حكمه، وأيديولوجيات متراجعة تحاول البقاء، فيما تتسابق قوى دولية على صفقات سريعة، في وقت تتطلّع الشعوب إلى سلام لا تفرضه اللحظة، بل تبنيه إرادة إقليمية ناضجة.
عبّرت تغريدة معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الديبلوماسي لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات، عن جوهر المرحلة بدقّة لافتة، حين تساءل: “ما الذي يمنع العالم العربي والشرق الأوسط من أن يكون مركزاً للإلهام والابتكار والازدهار؟”.
دعوة صادقة إلى تجاوز أوهام الأيديولوجيا، وبناء مستقبل مشرق عبر الحوار والتعايش والتكامل. هي ليست رؤية سياسية فحسب، بل أخلاقية أيضاً، تنهض من بين ركام الأزمات لتؤكد أن القرار يجب أن يكون لأبناء المنطقة.
منذ عقود، يدفع بعض شعوب المنطقة ثمناً باهظاً لانهيار فكرة الدولة الوطنية، وصعود الميليشيات، وسطوة الأيديولوجيات العابرة للحدود. لقد تحوّلت إلى مسرح لصراعات وظيفية تخدم مشاريع خارجية، لا مصالح شعوبها، ما أدى إلى تراجع دور المؤسسات أمام تمدد قوى تتصرف خارج منطق الدولة، وتحوّل قرارات الحرب والسلم إلى أوراق ابتزاز في يد جهات غير شرعية، تعوق أي مسار نحو سلام دائم واستقرار حقيقي.
ما حدث منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى حرب حزيران/ يونيو 2025، يكشف حجم الانكشاف الاستراتيجي الذي وصلت إليه المنطقة. وبفضل عقلانية العواصم الخليجية والعربية المؤثرة، تم احتواء التصعيد وتجنّب الانزلاق إلى كارثة إقليمية. لكن هذه المعالجة تبقى جزئية، لأن أصل الخلل لايزال قائماً.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعاد صوغ المشهد على طريقته، عبر عملية "مطرقة منتصف الليل" التي استهدفت منشآت إيران النووية، وفتحت الباب أمام تفاوض من موقع تفوق عسكري. ترامب لا يراهن على استراتيجية طويلة المدى، بل على صفقات كبرى تغيّر قواعد اللعبة، لكنها لا تخلو من مخاطرة إذا غاب عنها التوازن.
الولايات المتحدة باتت تتعامل مع ملفات الشرق الأوسط كوحدة استراتيجية متكاملة. لبنان وسوريا باتا يُعَامَلان كملف واحد، والهدف لم يعد فقط كبح إيران، بل دفعها لإعادة تعريف أدوارها. وهنا تظهر مشاريع مثل صفقة توم برّاك، التي تتحدث عن نزع سلاح "حزب الله"، وتطبيع تدريجي بين دمشق وتل أبيب، وكل ذلك ضمن خريطة ديبلوماسية، قد لا تصمد أمام واقع تسيطر فيه الأيديولوجيات على حساب الدول، وتبقى فيه مفاتيح الحرب والسلم بأيدي الميليشيات لا الحكومات.
وبينما لعبت “الترويكا الأوروبية” دور الوسيط التاريخي، إلا أنها ظهرت اليوم كطرف هامشي لا يؤخذ رأيه بالحسبان. فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا لم تتمكّن من تحريك الملف، ولم تكن على علم مسبق بالضربات الأميركية. حتى جنيف لم تكن أكثر من محاولة إيرانية لشراء الوقت، لا للدخول في مفاوضات جادة.
أما روسيا، التي أُقصيت عن طاولة القرار، فقد وجدت نفسها تبحث عن دور شكلي في المشهد الجديد. الاتصال الهاتفي بين ماكرون وبوتين لم يكن سوى محاولة متأخرة لاستعادة مقعد مفقود في ترتيبات ما بعد الحرب.
وتبدو دول الخليج في موقع المبادرة، ليس عبر التهدئة فحسب بل عبر تقديم نموذج الدول المستقرة ذات القرار السيادي. لقد أصبح من الضروري اليوم إطلاق مشروع عربي جامع، يعيد تأسيس مبدأ الدولة الوطنية، ويحصّن القرار الأمني من هيمنة الميليشيات، ويعيد ترتيب العلاقة مع القوى الدولية على أسس من الاحترام المتبادل.
لم تعد المبادرات الإقليمية مطلباً ديبلوماسياً، بل ضرورة وجودية تحدّد مصير المنطقة. المطلوب ليس وقف الحروب وحسب، بل صوغ عقد سياسي وأمني جديد يعيد الى الدول هيبتها ويضع السلاح في يد الشرعية لا خارجها.
لقد آن أوان السلام العادل، لا ذاك الذي تفرضه الظروف أو إملاءات الخارج، بل السلام الذي ينبثق عن رؤية واقعية، تواجه الحقائق، وتتجاوز الشعارات.
والسؤال الذي يفرض نفسه: من سيكتب فصول السلام؟ ومن يصوغ عقد المنطقة الجديد؟ هل نتركه للصفقات السريعة؟ أم نصنعه بأيدينا؟ فالمنطقة منطقتنا، والفرصة لا تزال ممكنة، لكنها، لن تنتظر طويلاً.
0 تعليق