نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"مونديال الأندية"... هل يعزّز ثقافة البطولات الزائفة؟ - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 06:27 مساءً
بوابة الكويت - لم تعد كرة القدم مجرد فرجة مفضّلة لدى شعوب العالم، فهذه اللعبة العالمية تدار بآليات ذات طابع تجاري قوي في المقام الأول، ومن الطبيعي أن تخضع لقوانين السوق بغض النظر عن قيمتها الاجتماعية والثقافية والرياضية.
وبالتوازي مع انعقاد كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة الأميركية، بمشاركة مصرية وعربية وسط 32 نادياً من كل القارات، يتجدد السؤال بقوة عما يمكن تسميته "ثقافة البطولات الوهمية والزائفة".
والمقصود هنا تلك البطولات التي يحققها المثقفون والمتفرجون عموماً أمام شاشات التلفزيون ومواقع السوشيال ميديا، وهم يتابعون انتصارات فريقهم المفضّل وأخباره ونجومه، في ظل ثقافة العولمة وتسليع الفرجة "كرة القدم".
مشجعون لـ“سالزبورغ“ و“ريال مدريد“ في ملعب لينكولن فاينانشال فيلد في فيلادلفيا. (أ ف ب)
إن المشاهد قد يستشعر في حالة فوز الفريق الذي يشجّعه أنه مشارك في صنع البطولة أو أنه منتصر "افتراضي"، في حين أن المتلقي السلبي، لاسيما في العالم العربي، يتلقى خسارات وانكسارات يومية على الصعيد الواقعي الحقيقي. هل يعوّض البشر إخفاقاتهم بمكاسب عبر الشاشات؟ وإلى أي مدى تسهم ثقافة البطولات الوهمية في زيادة حالة الفصام، ورفع درجة ابتعاد البشر عن حاضرهم؟
"النهار" تستطلع آراء مجموعة من المبدعين والنقاد والمثقفين العرب بشأن هذه التساؤلات والافتراضات، في ظل تزايد معدلات المشاهدة والمتابعة لمباريات كأس العالم للأندية.
قوت الشعوب
يشير الشاعر المصري أحمد سويلم إلى أن معلقاً رياضيّاً قال ذات مرة إن كرة القدم صارت قوت الشعب اليومي. ويقول: "صدمني هذا التعليق السخيف، وهو يجرد الشعب من إحساسه بأي حدث جيد أو سيئ يحدث له، ويقصره على التعصب لكره القدم".
حينها، يضيف سويلم "أدركتُ أن نظرية الإلهاء الإعلامي لها تطبيقات مختلفة، أبرزها هذه الحالة الزائفة من التعصب لكرة القدم في محيط الشباب العربي، حتى إنهم أحياناً يتجاهلون القضايا المهمة والأساسية في تركيزهم على أخبار كرة القدم ونتائجها ولاعبيها".

مشجعة لنادي “الأهلي“ قبل مباراة كرة القدم في المجموعة الأولى لـ“مونديال للأندية“. (أ ف ب)
ويرى الشاعر المصري أن هذه الحالة تزداد بين الشباب، بخاصة في افتقاد وعيهم بكل شيء، حتى إنهم قد يتمثلون في ملبسهم وحلق شعورهم لاعبي كرة القدم. ويستطرد: "هذه الحالة في منتهى الخطورة، أمية ثقافية، وبطولات وهمية زائفة، وقدوات في مجالات بعينها، لا لشيء إلا لأنها ترضي أهواءهم وغرائزهم وطموحاتهم الخاصة. هؤلاء الشباب هم الذين سيتولون قيادة المجتمع في القريب العاجل، فماذا عن هذه القيادة في ظل الزيف والأمية وافتقاد الوعي؟!".
أزمة التعصب
يلتقط خيط الحديث الشاعر السعودي علي الحازمي بقوله: "أحب مشاهدة الرياضة بأشكالها المختلفة، في أوقات الفراغ، لكنني في الوقت ذاته لا أحرص على متابعتها بشكل متواصل. في العادة أنا ضد كل أشكال التعصب وهدر الوقت والأعصاب في نقاشات لا طائل منها حول فريق أو لاعب ما، وأفضل دائماً أن أكون منحازاً إلى الجانب الجمالي والفني للعبة".
مثلاً، يضيف الحازمي، "أحب مشاهدة مهارات لاعبي كرة القدم من دون أهمية تذكر لأسماء أنديتهم، أستطيع أن أفصح عن إعجابي الشديد باللاعب الأرجنتيني ميسي ولا يهمني أي فريق يلعب له. مشاهدته وهو يتخطى اللاعبين الخصوم ويجندلهم بذكاء ومهارة مذهلة فيها كثير من الشعر والدهشة. إنه يحول ملعب كرة قدم إلى لوحة فنية تماماً مثلما يفعل الفنان التشكيلي في لوحته".

مهاجم “إنتر ميامي“ ليونيل ميسي خلال مباراة مع “باريس سان جيرمان“. (أ ف ب)
إن ما يحرّك الشاعر السعودي هو صنع الجمال وخلق الدهشة، أما غير ذلك فلا يعنيه مطلقاً. ويوضح: "مسألة المبالغة في الانتماء إلى الفريق وما يصاحبها من تعصب أجدها مضحكة، ولا تستحق كل هذا الهدر العاطفي. ولعل هناك أسباباً خارجة عن السيطرة تلقي بظلالها على ظاهرة التعصب، وهي أسباب قد تحتاج إلى مختصين في علم النفس لتحليلها. التعصب في الرياضة انعكاس واضح لاعتلال وأزمة داخلية يعاني منها الفرد قبل المجتمع".
التغييب والتجارة الرخيصة
أما الكاتب والناقد الفلسطيني علي أبو خطاب فيرى أن هناك فرقاً بين ممارسة الرياضة المفيدة للإنسان بدنيّاً وروحيّاً، ومشاهدة الرياضة التنافسية التي تقام لها بطولات باذخة تُنفق فيها الملايين من دون أي عائد حقيقي على الشعوب، بل إن دولاً نامية تتحمل تنظيم دورات مكلفة في حين أن اقتصادها في أمسّ الحاجة إلى هذه الأموال المهدورة.
إدمان ومرض نفسي
وتشير الكاتبة اليمنية انتصار السري إلى أن ما يمر به العرب في هذه الفترة من صراعات وحروب ودمار، وكذلك ما يكابدونه في حياتهم اليومية، ينعكس في صورة انكسار. وتقول: "قد يكون الانكسار في عدم وصولهم إلى حياة أفضل أو ضمان تعليم جيد لأبنائهم، ولذلك يحاولون الهروب من واقعهم إلى عالم يصنعونه في مخيلتهم، فيسجلونه على حبر أوراقهم في ما يسمى الإبداع، أو ينشرونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

مشجع لـ“الهلال“ خلال المباراة مع “مانشستر سيتي“. (أ ف ب)
وفي الوقت نفسه، تضيف انتصار السري، "هناك من يدمن مشاهدة مباريات كرة القدم خلف الشاشات، وفي غمرة اندماجه يشعر كأنه أحد أولئك اللاعبين. هو يندمج إلى درجة نسيانه مهماته وواجباته، ليعيش حياة وهمية".
هذا كله، بحسب الكاتبة اليمنية، "يزيد الفجوة بين ما تشعر الشعوب به من انتصارات وهمية، وبين الواقع المرير الذي تعيشه. وهذه الحالة من الفصام ترفع درجة ابتعادهم عن حاضرهم، ما يؤدي إلى ضعف الوعي بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجههم".
عشق الافتراض
وتوضح الكاتبة والباحثة المصرية أماني فؤاد، أستاذة النقد الأدبي الحديث في أكاديمية الفنون، أن البشر يعشقون العيش في الأوهام، من دون بذل جهد وإعمال للعقل، كما أن الحياة الافتراضية على وسائط التواصل الاجتماعي باتت الأنفاس التي يتنفسها الجميع، كأننا نعيش دون فعل مادي.

مهاجم “بايرن ميونيخ“ هاري كين خلال المواجهة مع “فلامنغو“ البرازيلي. (أ ف ب)
وترى أن "السيطرة والشيوع للخطابات والأفعال المغيبة للعقل، وعشق الانتصار والفوز في أي مجال، ولو اقتصر على كونه لعبة، والولع بامتلاك القوة، تظل مشاعر من دون معنى أو قيمة حقيقية، بخاصة في غلبة الشعبوية التي نعيش تجلياتها اليوم، حتى في السياسة والفنون والفلسفات، أي الخطابات التي تدغدغ العواطف ونوازع الإنسان. وليست الكرة فقط في منطقتنا التي تشعر الفرد والجموع ببطولات زائفة، بل أيضاً شعبوية الخطابات السياسية، والحروب المسرحية التي نعيش تفاصيلها حلقة بعد أخرى".
وغريزة التوحد والتسامي مع لاعب كرة القدم، تستدعي للأذهان نظرية التطهير لأرسطو، تضيف أماني فؤاد. وتختتم:"هذه الظاهرة قديمة قدم وجود الإنسان. فالمصارعة اليونانية القديمة، ومصارعة الثيران، على وحشيتهما، تأصيل لظاهرة تماهي المتفرجين مع المنتصر. وظاهرة مشجعي فرق كرة القدم هي الصورة الأكثر تطوراً وإنسانية في حلبات الصراع، بل تحولت إلى صناعة كاملة ومنظومة إعلامية وإعلانية".
0 تعليق