نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حكايتي مع المطران جورج خضر في ذكرى ميلاده - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 04:11 مساءً
بوابة الكويت - زاهي جبرائيل
أسرد حقبة عشتها تعطي دلالة على ولادة الكنيسة الأرثوذكسية الحديثة: أذكر وأنا صغير، أي في الستينيات، أن المطران لما كان يزور بلدتنا كانت تقتصر لقاءاته على الكاهن وأفراد عائلته ومسؤول الوقف الذي ما كان غالبا إلا من أقرباء الكاهن وكذلك المرتل. في اختصار، كانت الكنيسة سلطانا بيد طبقة احتكرتها وناس خارج الحظيرة مربوطين في جدارها الخارجي بعقيدة الخوف والحاجة وطقوسيات موروثة. أذكر أنني كنت دوما أرى والدتي تصلّي، وبحرارة، إنما ما رأيتها يوما تعيش حياة مشاركة المسيح وعائلته.
في بدايات السبعينيات، جاء بلدتنا مطران شدنا نحن الشباب، وخصوصا المثقف منه، شدنا بتصرف غير معهود. أراد أن يجتمع بكل أبناء البلدة وفي أي بيت نختاره. ذهبنا لنرى ما عند "الإمبرطور" القادم، ذهاب أهل العراق لملاقاة الحجاج بن يوسف حاملين الحصى بأيديهم . لكن "حجاجنا" القادم رفع العمامة عن وجهه ورمانا، وبخاصة نحن الشباب، بوداعة وجهه وطيبة قلبه ونور عينيه وصلابة إيمانه وبساطته وبراعة تواصله وفقر حاله المادي. قال لنا انهضوا لنسير الدرب معا لملاقاة مسيحنا الحبيب الذي أتى لجميع من في الأرض.
المطران جورج خضر (مواقع)
ونهضنا نبني كنيستنا المستقيمة الرأي: كانت الكنائس فارغة فصلّى لخمسة أشخاص وعشرة أشخاص ولم يأبه، بل ازداد تصميما وعنادا وامتلأت الكنائس. كانت جوقة المرتلين تقتصر على شخص أو شخصين، فأضحت الجوقة في بلدتنا الصغيرة خمسة وثلاثين شخصا، لا بل تحولت الكنيسة كلها إلى جوقة مرتلة. قال لنا لا إيمان من دون علم ومعرفة ولا مسيحية من دون مشاركة. شخصيته الفذة وعمق علومه وتصميمه وعناده ومحبته الجارفة للمسيح وتمثله به وفقر حاله المادي وحسن تدبيره بسطت لنا الحياة وأشعلت في الرعية نور الإيمان الطموح والثقة بالنفس. أذكر مرة كرَمنا أشخاصا في أحد الأديار التابعة لأبرشيته. كان التكريم في حضوره، وكان قد صدر له كتاب. سألته "ألا تعتقدون يا سيدي ييكون جميلا إن أهديناهم نسخا من كتابكم؟" تحمس وقال إنها فكرة جيدة . ثم رأيته مرتبكا وقال لي: "أنا ما معي مصاري، كيف ندفع ثمن الكتب؟"
بالله عليكم، هذا الإنسان الطاهر كيف لا أتبعه إلى آخر الدنيا؟ تبعته وأعطيته زهرة شبابي. وأذكر مرة أخرى، وكنت لا أزال طالبا في الجامعة الأميركية، أخذني بمعيته إلى أحد المنتديات الثقافية، والمناسبة كانت مناقشة مواضيع إيمانية بمشاركة مراجع طائفية معروفة. أجلسني بقربه. وابتدأ الخطباء والمناقشات صاخبة ومطراني مغمض العينين، حتى إنني اعتقدت أنه قد غفا، فصرت أحرك الكرسي الذي أجلس عليه وأحدث ضجيجا ليستفيق، وكم كنت ساذجا. وقف سيدي في الوقت المناسب حسب ساعته هو، وأفاض المعرفة والعقيدة على الجميع. كلهم أصغوا ليتعلموا منه. من كلماته التي قالها لي ولا أنساها: "بع كل شيء واشترِ نفسك، واحمل صليبك واتبعني". وحملتُ صليبي وما تبعته. والله لا أحد يعرفك كما عرفتك يا سيدي.
منذ مدة بعيدة زرته وتكلمنا من جملة ما تكلمنا في أمور رعوية. ما جمع الرعية والراعي الأيمان والأوجاع وحكمة الراعي المتميزة وزهده في الدنيا. ترف الحياة وحب التسلط والاحتكار كلها تنفر الرعية متى غذت قلوب القيمين على الكنيسة وعقولهم. رأيتُ فيه القلق على الكنيسة الأرثوذكسية الحديثة التي عمّرها الآباء والأبناء بالإيمان المبني على المشاركة. القلق من أن ينقطع التواصل بين الناس والقيمين عليهم في الكنيسة والمضللات كثيرة.
يا جبلاً ، يا عملاقاً متواضعاً، يا سقفاً تظلل به الكثيرون، يا بحراً نهلنا منه كلُنا، الكرسي الذي تجلس عليه عالٍ وعالٍ جداً، كل ما أطلبه من الله أن يطيل بعمرك، فأنت في كتاب حياتي صفحة ناصعة جميلةً جداً أريدها أن تبقى مفتوحةً.
لك مني القلب يا سيدي فأعطه لمن تريد.
أخبرني إن كنت أعطيته لأحد غيرك، أو احتفظت به لك، وضعته في ثلاجتك، مخافة أن يرمى على قارعة الطريق وتتناتشه الثعالب.
0 تعليق