الرّغبات القاتلة للحداثة - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرّغبات القاتلة للحداثة - بوابة الكويت, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 05:14 صباحاً

بوابة الكويت - بين ما يحدث في ساحة الحرب وما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي خيط متصل من العواطف والتشويق والخوف، وأحياناً المتعة. برغم أن ما يجري ليس ممتعاً أبداً، لكن الحروب المعاصرة غريبة إلى الحد الذي يختلط فيه الخوف بالرغبة على نحوٍ يبدو غير مفهومٍ. وهي التخوم الغائمة التي تريد ديبورا بروستو أن تلمسها في كتابها البديعّ ''الرغبات الحربية للحداثة''، لتكشف كيف نجحت الحداثة في خلق رابط عميق بين الرغبة والحرب.

من خلال مسحٍ للحروب في العقد الماضي، تُظهر تعدد الطرق التي نجد أنفسنا من خلالها منخرطين في عالم يعيش الحرب. علاقاتنا بالحرب تتبع خطوطاً عاطفية متعددة، غالباً ما تكون ثنائية الرأس، تتأرجح باستمرار بين التخدير والهوس. بين طيف المشاعر التي تنتجها هذه الحروب، ثمة ما هو صريح وقوي، مثل الخوف والغضب والحماسة الوطنية، وما هو خفي ومكبوت، مثل اللامبالاة أو الذنب المُتنكَّر له. هذه المشاعر لا تنبع من فراغ، بل تُصنَع وتُوجَّه عبر آليات متشابكة: الإعلام الذي يقرر أي الدماء تُعرض وأيها يُتغاضى عنها، الخطاب السياسي الذي يبرر بعض العنف ويدين آخر، والذاكرة الجماعية التي تُحيي بعض المآسي وتدفن أخرى. فالحروب الحديثة لا تعمل كنظام واضح، بقدرٍ ما هي فوضى مُدارة.

الحرب هنا ليست حدثاً بعيداً، بل هي بنية متجذرة في حياتنا اليومية، وكما تقول الكاتبة "تُدار من خلف الشاشات، تُموَّل من ضرائبنا، وتُشرعَن بأسمائنا". وهذا الكتاب محاولة لفهم كيف يصبح من هم في "الجانب الآمن" من العالم جزءاً من آلة الحرب العالمية، ليس فقط كمتفرجين، بل كأطراف فاعلين، ولو من غير قصد. ويحضرني هنا نموذج الحماسة للحرب الدائرة في المشرق العربي من خلال ما يصدر عن قطاعٍ من شعوب المغرب العربي. يجد المرء أحياناً تعليقات وتحليلات كأنها تتحدث عن مباراة كرة قدمٍ أو نزال ملاكمةٍ. ولأن سكان بلاد المغرب بعيدون فإنهم لا يرون من الحرب سوى شكلها الخارجي ثم نتائجها، من دون أن يجدوا طعمها في حياتهم اليومية. 
هذه المشاعر، سواءً كانت الحماسة أو الخوف، لها تاريخ، وهذا التاريخ ليس مجرد خلفية، بل هو قوة حية تشكّلنا. فنحن ورثة شغفٍ وطرقٍ للإحساس والرؤية - أو عدم الرؤية - تعود إلى عصور سابقة، ثم يُعاد تفعيلها في الحاضر. ولفهم هذه المسارات، تعود الكاتبة أساساً إلى القرن العشرين: قرن الحروب الشاملة، والتعبئات الجماعية، والحروب الاستعمارية البعيدة. 

 


لكن المشكلة - كما تقدمها ديبورا بروستو - أننا نرث من القرن العشرين عنفاً لم يُحاسب، وشعوراً مزيفاً بأن الحرب "تنظف" أو "تجدد". حتى في لحظات السلم، تظل ثقافة الحرب حية، في خطابنا السياسي، في إعلامنا، في طريقة تقسيمنا العالم إلى "ضحايا يستحقون العزاء" و"أموات لا يُذكرون". كما تذكرنا جوديث بتلر، هذه الآلية نفسها هي ما يجعل بعض الأرواح "قابلة للحزن" وأخرى غير مرئية. فالحروب لا تترك فقط جثثاً وأنقاضاً، بل أيضاً بنى عاطفية تنتقل عبر الأجيال، تظهر كـ"بقايا" أو "إحياءات" أو حتى كأشباح تُحرك حاضرنا. ولفهم ثنائية الخوف والحماسة، يجب أن نصنع إرثاً واعياً من كتابات مفكري القرن العشرين الذين عايشوا الحروب. نقرأهم لا كماضٍ مغلق، بل كأصداء لمأزقنا اليوم. وهذه المهمة ليست نخبوية فحسب، بل مقاومة لعنفٍ يختفي وراء شعارات التقدم. فكما كتب فالتر بنيامين: "وراء كل حضارة عظيمة، هناك جبل من الجثث". فهل نستطيع اليوم أن ننظر إلى هذه الجثث من دون أن نعيد إنتاج العنف الذي خلّفها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق