نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شحّ المياه في نهر الأولي... بين التحدّيات والحلول - بوابة الكويت, اليوم السبت 5 يوليو 2025 01:42 مساءً
بوابة الكويت - يشهد لبنان هذا العام تراجعاً حاداً في معدلات هطل الأمطار، في ظاهرة مقلقة تنذر بعواقب وخيمة. ويحذر خبراء من أنّ هذا الانخفاض غير المسبوق يهدّد بحدوث كارثة زراعية حقيقية، قد تطال الأمن الغذائي والمائي في البلاد، ما يضيف أزمة جديدة إلى سلسلة التحديات البيئية والاقتصادية التي يواجهها لبنان.
وفي السنوات الأخيرة، شهد لبنان ظاهرة بيئية مقلقة تتمثل في جفاف عدد من أنهاره، التي كانت تشكل شرياناً حيوياً للزراعة ومصدراً أساسياً لمياه الشرب والريّ. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بوضوح هذا العام نتيجة الانخفاض الحاد في معدلات هطل الأمطار، ما يعكس خللاً بيئياً خطيراً مرتبطاً بالتغيّر المناخي من جهة، وسوء إدارة الموارد المائية من جهة أخرى.
هذا الجفاف لا يهدّد فقط التوازن البيئي، بل ينعكس مباشرة على الأمن الغذائي والمائي للبلاد، إذ يؤدّي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وازدياد الاعتماد على مصادر بديلة ومكلفة.
ومن الأنهار التي طالها الجفاف نهر الأولي، الواقع في منطقة الشوف والذي يتجه جنوب لبنان نحو البحر المتوسط، والذي لطالما كان شريان حياة لقرى كثيرة، أما اليوم فهو يعاني خطر الاختفاء الموسمي وحتى النهائي.
مجرى نهر الأولي (النهار).
شحّ المياه وحلول...
في حديثٍ خاصّ إلى "النهار"، تؤكّد منسّقة برنامج الأبحاث والمراقبة في محمية أرز الشوف لارا قانصو، أن "نهر الأوّلي يُعدّ من أهم الأنهار التي تُغذّي العديد من القرى اللبنانية وعدداً كبيراً من المزارعين"، مشيرةً إلى الشحّ الكبير في المياه داخل النهر، في ظلّ تغيّر المناخ وندرة المتساقطات هذا العام.
وتُشدّد على أن "محميّة أرز الشوف حاولت إيجاد حلول لهذه المشكلة من خلال اللجوء إلى بدائل، منها الاعتماد على شبكة ريّ ذكيّة تستند إلى بيانات جوّية، تقيس نسبة الرطوبة في الأراضي الزراعية باستخدام أجهزة استشعار خاصة، وتصدر أوامر بتزويد النبات بالكمّية اللازمة من المياه وفقاً لحاجته الفعلية".
وتُتابع قانصو: "وقّعنا أول اتفاقية لإدارة حوض مائي في آسيا، ستُسهم بدورها في تحسين جودة المياه، وضمان استفادة المزارعين من كمّيات ملائمة تدعم استدامة عملهم الزراعي".
مبادرات وتوعية...
ضمن هذا السياق، تعمل جمعيات بيئية محلية، كجمعية أرز الشوف، على تطوير مبادرات ومشاريع تهدف إلى ترشيد استخدام المياه وتعزيز استدامتها، من خلال اعتماد تقنيات حديثة وإشراك المجتمعات المحلية في جهود الحماية. وتأتي هذه الخطط كجزء من استراتيجية بعيدة المدى لمواجهة تحديات الجفاف والحفاظ على الموارد الطبيعية في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
ويشير منسّق مشروع في جمعية أرز الشوف رامي بدوي، في حديثٍ إلى "النهار"، إلى أنّ "محميّة أرز الشوف تُعدّ أكبر محميّة طبيعية في لبنان"، موضحاً: "لقد تأثرنا بشحّ الأمطار هذا العام، ونعمل على التخفيف من آثار هذه الأزمة من خلال تجميع أكبر كمّية ممكنة من المياه في برك زراعية مخصّصة للمزارعين، للاستفادة منها في ريّ المزروعات".
وإلى جانب الحلول التقنية، يُعدّ تعزيز الوعي المجتمعي بأساليب الاستخدام المستدام للمياه خطوة أساسية لضمان استمرارية الموارد المائية للأجيال المقبلة.
ويؤكّد منسّق وحدة المشاريع في جمعية أرز الشوف كمال أبو عاصي، لـ"النهار"، أن "لبنان يُعد من البلدان الغنية بالمياه، خصوصاً من حيث تركيبته الجيولوجية وطبيعة أرضه، إذ تُعدّ سلسلتا جبال لبنان الشرقية والغربية الخزان الجوفي الأساسي الذي يُغذّي الينابيع والأنهار"، مشيراً إلى نهري نبع الصفا والأولي كمثالين ينبعان من هذه الجبال ويتجهان نحو البحر.
ويُضيف أن "عام 2025 شهد شحّاً في كميات الأمطار والثلوج"، قائلاً: "نحاول مواجهة هذه الأزمة من خلال تدخلات تهدف إلى تغذية المياه الجوفية، إضافة إلى تقديم إرشادات حول الاستخدام الرشيد للمياه في القطاعات الزراعية والسياحية والمنزلية".
ويتابع أبو عاصي: "نسبة الأمطار خلال الشتاء كانت متدنية جداً مقارنة بالمعدل السنوي، إذ لم تتجاوز 600 مليمتر، فيما المعدل العام المعتاد يصل إلى 1000 مليمتر"، لافتاً إلى أن "العديد من القطاعات تتأثر مباشرةً بكمية ونوعية المياه، إيجاباً أو سلباً".

مجرى نهر الأولي (النهار).
تضرّر المزارعين...
وفي ظلّ الانخفاض الحاد في منسوب مياه نهر الأولي هذا العام، يجد العديد من المزارعين أنفسهم مضطرين لمواجهة تحديات كبيرة في تأمين المياه اللازمة لريّ محاصيلهم.
في قرية بيت الدين، يعاني المزارع محمود من نقص كبير في مياه الري هذا الموسم بسبب شحّ المياه في نهر الأولي، الذي يعتمد عليه بشكل أساسي لريّ حقله من الخضروات. ويقول لـ"النهار": "منذ بداية الموسم، لاحظنا أن مياه النهر باتت أقل بكثير من المعتاد، وهذا أثر مباشرةً على محصولي، خاصة أنني لم أتمكن من ريّ الأشجار والفواكه كما يجب".
ويضيف: "نضطر اليوم للبحث عن بدائل، مثل استخدام مياه الآبار الجوفية، لكنها ليست كافية دائماً وتكلفني مبالغ إضافية".
إذن، في ظلّ التغيّرات المناخية المتسارعة وتراجع نسب المتساقطات، تبرز الحاجة الماسّة إلى إدارة مستدامة وفعّالة للموارد المائية في لبنان، ولا سيما في المناطق الزراعية.
إن الجمع بين الحلول التقنية، كتقنيات الري الذكية، والمبادرات المجتمعية والتوعوية، يشكّل خطوة أساسية نحو الحفاظ على الثروة المائية وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
0 تعليق