نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصعب أَبو شامة: الفوتوغرافيا أَبلغ من الكلمات - بوابة الكويت, اليوم السبت 5 يوليو 2025 12:03 مساءً
بوابة الكويت - لم يكُن الشاب السوداني مُصْعَب أَبو شامة (27) يحدُسُ أَنَّ صوَرًا له التقَطها وسط أَتون الحرب في عاصمة بلاده الخرطوم، ستوصله إِلى العالَمية وإِلى ربْح جوائز دُوَلية عليا في التصوير الفوتوغرافي. فهو التقطَ بكاميراهُ مشاهدَ البؤْس والجوع والعذاب في بلاد توفي فيها نحو مليون طفل من الجوع. وفي مطلع هذا العام (2025) دلَّت الإِحصاءات على نزوح نحو 9 ملايين مواطن داخل البلاد، وأَكثر من ثلاثة ملايين هجروها إِلى اللاعودة.
فماذا عن مسيرة هذا الشاب الموهوب؟
مُصْعَب أَبو شامة: تأْريخ الحرب بالفوتوغرافيا
التقاط الهنيهات الصعبة
كان التصوير الفوتوغرافي هوايته. لم يكن مهيَّأً أَن تجعلَه الحرب في بلاده مُصَوِّرَ حربٍ محترفًا. فبعدما هرب وعائلته إِلى مكان أَكثر أَمانًا في مدينته أُمّ درمان، أَدرك أَن الحياة اليومية لن تعودَ كما كانت قبل الحرب. وفجأَةً وعى أَنَّ تسجيلَه يومياتِه الفوتوغرافيةَ سيكون له دورٌ بارز، ورأَى أَنَّ تَرَدُّدَه متطوِّعًا إِلى مستشفى قريب منه، يساعد في نقل المرضى والجثث ويختلس بضع لقطات حاسمة (معظمها مأْساويّ)، سيجعل من صُوَره توثيقًا دامغًا لتلك المرحلة.
حين عاد بعد نحو سنةٍ في فترة هدوء إِلى منزله، وجد كلَّ شيء تغيَّر فيه وَحَوله. وشعر أَن حياته لن تعود كما كانت قبل اندلاع الحرب الشرسة في بلاده. وجد بيته (كبيوت الحي جميعها) بات ركامًا، فراح يصوِّر الحاضر ويُشكِّل منه ومن صوَر الماضي مجموعة توثيقية بارعة، يبدو فيها المكان ويَظهر الفرق بين القَبْلِ والبَعد.

حتى العصافير تتهيَّأُ للهرَب
وفي أَفريقيا أَيضًا نزاعات مأْساوية
مُصْعَب يعيش اليوم في نيويورك، طالبًا في "معهد الفنون البصرية"، بعدما حاز جوائز عدَّةً على توثيقه بالصوَر الدامغة حالة الحرب في بلاده السودان. ودلَّت صوره على انحياز العالَم الغربي إِلى تغطية النزاعات بين أُوروبا والشرق الأَوسط، فيما تستحقُّ أَفريقيا القدْر ذاته من الاهتمام والتغطية والمساعدات الإِنسانية.
من هنا سمَّى مجموعته الحربية "تدوين". وروى في التعليق على صوره كيف ابتدأَ هاوي تصوير يجمع صوره يوميًّا كأَنه يكتب مذكرات يومية. وكانت لقطاته الحاسمة أَبلغ وقعًا وتعبيرًا مما لو عبَّر عنها بالكلمات.
رأَى أَن توثيقَه الحربَ في بلاده واجبٌ قد لا يقوم به سواه بهذه الطريقة الراسخة إِنسانيًا. شعر بمسؤُوليته في القيام بتصوير الحالات الصعبة التي لا تُبرزها دائمًا وسائل الإِعلام. هكذا تأْتي صوَرُهُ صوتًا صارخًا إِلى ضمير الإنسانية. وعندما عاد بعد نزوح سنة عن بيته والحي، عاد إِلى صوره القديمة عنهما ووجَد الفرق فاجعًا، فشكَّل من المزج بينها وبين صوَر الحاضر حافزًا للتذكار ولرفض ما يجري وما سبَّبَته الحرب في مدينة مسالمة. من تلك، مثلًا، صورة أَولادٍ في الحي كانوا يلعبون بأَمان، مزجها بصورة حاضر الحي الصامت المدمَّر، فبدا كيف غاب عن الحي الفرح والأَمان وحس الإِلفة بين الأَولاد.

الشارع من قَبل ومن بَعد
الكاميرا شاهد دامغ
هكذا وجد دوره الإِيجابي، لا أَن يتابع الحرب محايدًا، بل أَن يشارك في إِبراز ما تُسبِّبه الحرب في بلاده، عن طريق المقاومة بالفن كي لا تتكرَّر في شعبه هذه المآسي التي يغبطه أَن يراها العالم حسيًّا عبر كاميراهُ اللاقطة. وفوزُه بجائزة أَفضل مصور صحافي سنة 2025 ساعد على لفْت العالم إِلى ما يجري في بلاده، لا سياسيًّا فقط أَو عسكريًا فقط بل إِنسانيًّا. فهو يريد أن يهز مشاعر العالم نحو بلاده، بأَن الحرب ليست أَعداد ضحايا وسْتْراتيجياتٍ حربيةً، بل هي شعب يتأَلَّم ويذوب وينقضي بكل ما في مخزونه من عائلات وأَطفال وأَعراس وشوارع نابضة وذكريات. وهو يريد من صوره إِبراز أَنها ليست حربًا أَهلية بل أَصوات استغاثة جريحة تطلب النجدة من المنظَّمات الإِنسانية والهيئات المعنية دوليًّا، كي تتعامل مع الشعب مباشرةً لا مع السلطة وحكَّامها. هكذا تستقطب الإِغاثة الانتباهَ والضغوطَ والتعاونَ والتعاضدَ الدولي.

كان حيًّا مأْهولًا فبات صحراءَ دمار
فيلم وكتاب بعد الفوتوغرافيا
فيما يكمل مُصْعَب دراسة الماجستير في الفن الفوتوغرافي، لدى معهد الفنون البصرية في نيويورك، يتهيَّأُ لتحويل صوره الفوتوغرافية إشلى فيلم وثائقي، وإِلى كتاب يوثِّق تلك اللحظات الأَليمة بين الماضي والحاضر، كي يكون عملُه نابضًا لا بما تراه العيون في الفيلم والكتاب، بل بما تهْلع له القلوب والنيات والمشاعر.
هكذا انبرى شاب موهوب في الدفاع عن شعبه وبلاده، وفي رفض الحرب التي شلَّعت السودان بسبب تطاحن السياسيين على السلطة، غير آبهين بصرخات شعبٍ مقهورٍ يبحث عن كسْرة خبز ولا يجدها إِلَّا... على حافَّة الموت.
0 تعليق