نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من نهر البارد إلى استراتيجية عسكريّة حديثة... إحياء مشروع اللواء فرانسوا الحاج - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 11:48 صباحاً

بوابة الكويت - في خضم التحديات الأمنية المتصاعدة والتهديدات الداخلية والخارجية المتشابكة، لا بدّ من العودة إلى رؤى القادة الذين لم يكتفوا بخوض المعارك، بل حلموا بوطن محصّن بجيشه ومؤسساته.
الدكتور سمير حسن عاكوم
في خضم التحديات الأمنية المتصاعدة والتهديدات الداخلية والخارجية المتشابكة، لا بدّ من العودة إلى رؤى القادة الذين لم يكتفوا بخوض المعارك، بل حلموا بوطن محصّن بجيشه ومؤسساته. على رأس هؤلاء يأتي اللواء الركن الشهيد فرانسوا الحاج رمزًا لم ترهقه الحرب بل زادته تصميمًا على بناء جيش وطني حديث، قادر على الدفاع عن الأرض والشعب بوجه العدو وبوجه الانهيارات التي تعصف بالدولة.
فبعد معركة نهر البارد، التي خاضها الجيش اللبناني بقيادته ضد تنظيم زرعه نظام الأسد لتفتيت الوطن، برزت لدى اللواء قناعة جوهرية عنوانها عدم إمكانية الدفاع عن لبنان بجيش تقليديّ محدود الموارد، ولا ببنيّة عسكريّة تضخّمت مع الوقت، بل بجيش وطني ذي نواة صلبة، محترف، قادر على التوسّع والمرونة عند الحاجة، ويُدمج مع نسيج المجتمع من دون أن يفقد هويته العسكرية.
كان اللواء وفق مقرّبين منه يَعدّ مشروعًا متكاملاً لإعادة هيكلة الجيش اللبناني، مستلهمًا تجارب الجيوش الذكية في الجمع بين النواة القتالية المحترفة، واحتياط مدني عسكريّ يتمّ تدريبه دوريًا على مختلف أشكال المواجهات التقليدية وغير التقليدية. في صلب هذا المشروع تتحدّد ملامح جيش، نواته الصلبة وحدات نخبوية ذات تدريب تكتيكي عالي المستوى، قادرة على التحرك السريع وتنفيذ المهام الخاصة، ويكون منفتحاً على التعبئة الشعبية المرنة من خلال تجنيد وطني اختياري يدمج المواطنين في الجيش بحسب تخصصاتهم في التكنولوجيا، اللوجستيات، الهندسة والصحة... وموزعاً لا مركزيًا ضمن أفواج مرنة وسريعة الحركة، بحيث تشكّل كلّ منطقة قاعدة دفاعية ذات طابع احتياطي ومدني، ترفد الجيش المركزي عند الحاجة، في ميادين الحرب الحديثة، صواريخ على شاكلة مشروع أرز، الذي قاده الطلاب برعاية الجيش بداية الستينيات، الحرب الإكترونيّة، المُسَيّرات، الأمن السيبراني، الحرب النفسيّة والاستجابة السريعة للكوارث والأزمات...
رأى مدير العمليات في جلساته الخاصة أن التجنيد الإلزامي لا يجب أن يُعاد كما كان، بل بصيغة عصرية تشجّع الشباب على الانخراط في الجيش من بوابة العلم والمعرفة، مع حفظ كرامة الفرد وتحفيزه اقتصاديًا ومهنيًا أي"التجنيد الوطني المرن" ليشمل دورات تدريبية لفترات قصيرة كما كان عليه الوضع بداية السبعينيات، ويضم مجالات متنوعة عسكرية، لوجستية، إلكترونية وصحيّة...
من أبرز ملامح مشروعه "جيش وطني" كمؤسسة غير منعزلة عن مجتمعه بل يكون شريكًا حقيقيًا في بنائه في الأزمات كما في السلم. فكما قاتل الجيش في نهر البارد بحماية كلّ أهله يستطيع اليوم أن يكون رأس حربة في حماية كامل الحدود، وفي مواجهة الكوارث والانهيارات والاعتداءات المختلفة. واقترح اللواء بحسب المقربين الانطلاق من تأسيس "المركز الوطني للدفاع المدني العسكري" الذي يجمع بين الجيش والمؤسسات الصحيّة والدفاع المدني والبلديات... في تنسيق دائم للتعامل مع أي طارئ، ويكون خزانًا بشريًا جاهزًا للتعبئة الوطنية.
استُشهد اللواء فرانسوا الحاج قبل أن يرى مشروعه يتحقق. لكن حلمه باستراتيجيّة عسكريّة حديثة لا يزال حيًا، بل لعلنا اليوم بحاجة إليها أكثر من أيّ وقت مضى في ظل الانهيار والتحديات العسكريّة المستجدة بعد الحرب الأخيرة وعلى أكثر من مستوى.
إن بناء جيش لبناني وطني، مرن، عصري وشامل هو حاجة وطنية وأمنية ملحة. فلبنان وفي طريقه إلى إعادة التأسيس لا يمكنه النهوض من دون جيش قويّ موحّد ومندمج مع شعبه ومحيطه؛ وكما كان اللواء فؤاد شهاب عنوان الانتقال إلى دولة المؤسسات، يمكننا العمل مع كل مكونات مجتمعنا لإطلاق استراتيجيّة اللواء فرانسوا الحاج العسكريّة الإنقاذيّة في ذكرى ولادته.
لقد قدّم الشهيد حياته من أجل أن يبقى هذا الوطن فلنُكمل معًا ما بدأه...
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق