براك ووهم سلام إقليمي على جثة سايكس - بيكو - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
براك ووهم سلام إقليمي على جثة سايكس - بيكو - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 04:13 صباحاً

بوابة الكويت - في سياق إعادة بناء هذا الإقليم الخرب، وكما تنبأ باتريك سيل، تتشابك النصال على النصال في بلاد الشام، بما لا يطيق جسدها الضاوي نزفاً وفقراً وتداعياً!

وفيما تتشابك النصال الروسية والتركية والإيرانية والإسرائيلية بعضها ببعض فوق الجسد السوري، تمكنت المملكة العربية السعودية من إلقاء طوق نجاة لسوريا من فجها العميق. فرصة نجاة محدودة الوقت والشروط.

ثم تمكنت المملكة من إقناع الرئيس ترامب بمنح فرصة ذهبية لسوريا الجديدة سواء برفع العقوبات أو بإعادة تأهيلها إقليمياً ودولياً.

لكن الطريق أمام السوريين لا يزال وعراً ومليئاً بهاويات سحيقة، بل ثمة رهانات استراتيجية كبرى على أن السوريين لن يطيقوا العيش معاً.

كان أول ما قام به ترامب أن عين السيد توم براك –اللبناني الأصل والذي ينتمي للمحافظين الجدد- وكلفه أن يعيد رسم خطوط المثلث الشامي من لبنان وسوريا بالتعاون مع إسرائيل، وإدارة الترتيبات الإقليمية المؤسسة لهذه التحولات.

من لحظة أن تنطح توم براك لهذه للمهمة، تحدث عن إعادة كتابة تاريخ المنطقة التي قطع أوصالها سايكس - بيكو. في حينه، ظن الكثيرون أنه مجرد تفلسف ديبلوماسي مثل الكثير من العابرين في الإقليم.

يستبطن المنطق الاستشراقي الديبلوماسي العتيق لتوم براك مقولتين حاكمتين: الأولى، أن هذه المنطقة المبتلية بالعصبية الدينية، لن تستقر إلى أن يحكمها الإسلاميون. والثانية، أن ثمة دولاً فاشلة في منظومة سايكس - بيكو، لم تتمكن من إثبات أهليتها بالوجود، لا من حيث الاستقلال ولا الاستقرار. ولعله الأوان قد آن لتجاوزها على خارطة الإقليم.

لكن تطور الأحداث يظهر، يوماً بعد يوم، أن براك كان جاداً ولم يكن مجرد ديبلوماسي تستهويه نظريات الاستشراق، بل لقد جاء ليطبقها. يسوق هذا الجيل من المستشرقين والديبلوماسيين، أمثلة لا تحصى حول ضرورة إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط أميركياً، بل يسوقون أمثلة عن نجاح التفويض السابق لنظام الأسد في لبنان، في ضبط الصراعات الداخلية وضبط الميليشيات الجهادية (السنية والشيعية) ليعاد، المرة تلو الأخرى، تفويضه كلما خرج من لبنان، كما حصل قبيل حوادث 7-8 أيار/ مايو وبعدها. بل يسوق هؤلاء المستشرقون أمثلة مشابهة على فشل دول إقليمية أخرى، لن يمكن حل معضلاتها إلا بالقبول بدور القوى الجهادية كقوة مستبدة وضابطة.

ويبرز في هذه اللعبة التفويض المعطى للقوى الجهادية بألوانها الشيعية والسنية. فبوساطة كيسينغر 1073 كوفئ حافظ الأسد على توقيعه اتفاق وقف النار في حينه، بتفويضه الكارثي المفتوح، لضبط لبنان وإركاعه. وتم ذلك في سياق تفاهمات مع دول إقليمية عديدة، ومنها تفاهمات جوهرية مع بيت القصيد: إسرائيل. وفي نهاية الأمر لم تتوقف الحرب اللبنانية، إلا بشرعنة هذه التوافقات مع النظام السوري، وجهادييه ضد لبنان واللبنانيين.

فلكي تتمكن من بناء جنتها كما غزة ولبنان والسودان، كان على القوى الجهادية القبول بإدارة حرب باردة متوافق عليها بين الكبار، في مقابل أن يتاح لها تقسيم البلاد، ونخر بنية الدولة، والسيطرة عليها. هكذا كان الأمر في لبنان وهكذا كان في غزة واليمن ويبدو أن التفويض الجهادي لا يزال قائماً.

في نهاية الأمر، يبدو هذا العجل الجهادي بألوانه الشيعية والسنية، قابلاً للترويض، ثورجي عند اللزوم، وقابلاً للتسمين عند اللزوم، ثم يصير قابلاً للذبح في آخر المطاف.

فلطالما كان البلطجي الجهادي في نظر المستشرقين من المحافظين الجدد هو البديل الوحيد من الدولة الوطنية الجامعة والأداة المعتمدة في قمع الحياة المدنية والتحضر، والقادر دوماً على إعادة إنتاج الاستبداد المضبوط. ولتكن تجربة "حزب الله" في لبنان، ولتكن تجربة "حماس" في غزة، وليكن الحوثيون في اليمن، ولتكن تلك تجربة الجهاديين في بلاد المشرق العربي... فذاك العجل نفلته حين يلد، ثم نربيه ليسمن، ثم نذبحه حين يخرج عن السيطرة، المهم هو ضمان لجامه وضمان الاختراق الأمني والمالي والمافيوي العميق لكل خلية من خلاياه، ثم أن بعض العجول تستطيب ذبحها.

مثل كيسينغر، يرتفع صوت توم براك في سعيه للسلام. يريد بداية من سوريا اتفاقاً جديداً لوقف النار بديلاً من اتفاق كيسينغر، بحيث يمكنه هذه المرة أن يفرض اختراقاً إسرائيلياً نهائياً للجينات المعلوماتية والمالية والأمنية للدولة السورية الجديدة.

وكما فعل في الاتفاقات الأخيرة في لبنان، يريد غطاءً قانونياً ليحتفظ لإسرائيل يداً طولى في سوريا، تضرب منافسيها الإقليميين وتؤدبهم وتحبطهم. ثم، كما في صفقة كيسينغر، يلوح براك بدور سوري في لبنان.

في موقف لافت، وفي نكسة لخارطة توم براك، صرحت الرئاسة السورية لتنفي أي محادثات حول اتفاق جديد لوقف النار مع إسرائيل ما لم تنسحب قواتها من المواقع التي توغلت إليها حديثاً. كما صرحت الرئاسة السورية أنها لن تقبل أي حل لا يعيد الحقوق السورية في الجولان.

لا أظن أن الحكومة السورية ستوافق على إملاءات اسرائيل في ما يتعلق بالتعاون الأمني. ولا أظنها ستوافق على الانخراط في اتفاقات ابراهام وإدارة الظهر للحقوق السورية في الجولان. ولا أظن أنها ستذهب الى أي عملية سلمية مع إسرائيل إلا ضمن إيقاع عربي تقوده المملكة العربية السعودية. ولا اعتقد أن سوريا ستتيح إعادة تفويضها في لبنان، حتى لو رغب بعض الجهاديين في ذلك.

لكن ليس من عادتي التفاؤل. فتوم براك يعمل بشكل حثيث وبصمت كبير، وما لم تسارع الدولة السورية الى تثبيت مواقفها بلا رجعة، وما لم يسارع اللبنانيون الى إنهاء عبثية اللعب على الوقت توصلاً الى توافقات تحصن وطنهم اللبناني، فإن في جعبة براك مشاريع لا تقل كارثية عن كيسنغر.

ليست هذه تخيلات، لكن لعلي مخطئ في كل ما قلت.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق