الأمن القومي العربي ودور جامعة الدّول العربية - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأمن القومي العربي ودور جامعة الدّول العربية - بوابة الكويت, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 04:57 صباحاً

بوابة الكويت - تؤكد التجارب كما الرؤى التي تتناول موضوع الأمن القومي – أو الوطني – للشعوب والأمم، وجوب وجود إطار يمكن من خلاله ابتداع الوسائل، وتوفير الإمكانيات، ووضع الآليات العملية لتحقيق هدف حماية الأرض والمكوّنات من الأخطار الخارجية، أو من المخاطر الداخلية المُتأتية من تدخلات خارجية.

 

وفي سياق البحث عن ركائز ناجعة للدفاع عن المنطقة العربية المُهدَّدة، ومن خلال التبصُّر بكل ما يمكن فعله لتقديم مُحددات حديثة، تبدو الصعوبات قائمة ومتعددة أمام الوصول إلى صيغة تنظيمية جديدة ومعاصرة في الوقت الراهن، ولكن الفرصة مؤاتية لتطوير دور جامعة الدول العربية وآليات عملها لتحقيق هذه الغاية، ما دامت إطاراً تنظيمياً موجوداً، ويضمّ بعضويته كل الدول العربية المستقلة. وما يبعث على التفاؤل بإمكانية تفعيل هذا الدور للجامعة، ارتفاع منسوب التنسيق بين الدول العربية في الأيام الماضية، حيث توحّدت مواقف غالبيتها على إدانة عدوان إسرائيل على إيران في 13 حزيران/ يونيو، كذلك على إدانة ورفض القصف الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدة "العُديد" في قطر، قبيل إعلان وقف إطلاق النار في 24 منه.

 

يمكن اعتبار قرارات قمة الملوك والرؤساء العرب بشرم الشيخ في عام 2015، والتي تضمَّنت إنشاء قوات عربية مشتركة، أو جيش عربي موحد، لمواجهة أي تحديات وجودية، أساساً للبناء عليها، وتوليف منظومة عسكرية فاعلة ومتناسقة، ومُتماسكة، وعصرية، يمكنها التعاطي بمرونة وبواقعية وبشفافية مع الأحداث ذات الصلة، وفقاً لآلية قانونية تتجاوز كل المعوقات الناتجة من التباين بالرأي، أو الاختلافات التفصيلية. وهذه القوة لا تخضع لأي اعتبارات فيها حسابات وطنية أو جهوية، ولا يحركها سوى الخطر الداهم الذي يواجه الأمة، بما في ذلك التعدي على التراب الوطني لأي دولة عضو في الجامعة. ويُفترض بالجيش العربي الموعود أن يكون له قوة سيادية في أماكن انتشارهِ، لا تخضع لأهواء وخيارات الدولة الموجود على أراضيها، ما دامت عضواً في الجامعة، ولا يتدخل هذا الجيش بالشؤون الداخلية لهذه الدولة على الإطلاق.

 

هناك تجارب يمكن الاستفادة منها في هذا السياق، لا سيما لناحية اتخاذ قرار التدخُل، وفي منسوب المساهمة المالية في موازنة الجيش الموحّد، وفي عدد أفراده وكوادره، وفي آلية قيادته. ومن هذه التجارب: طريقة عمل حلف "الناتو" على سبيل المثال. ويمكن لهذه القوة المشتركة أن تبني شبكة علاقات وتنسيق مع منظومات دفاعية خارجية، لا تتعارض أهدافها مع مآلات الأمن العربي، حيث لا عداوات خارجية للعرب مع أي طرف، ولا أطماع لهم خارج المساحة العربية، بينما أهدافهم تقتصر على تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتحرير أراضٍ عربية محتلة، وحماية الدول العربية من أي عدوان، لا أكثر ولا أقل. وفي الوقت نفسه، فإن هذه القوة غير مُلزمة بالارتباط بأي خيارات خارجية ثابتة قد تتعارض أحياناً مع أهداف إنشائها، خصوصاً في مجال مصادر التسليح التي يجب أن تتحكَّم بها الجودة والفعالية وحرية الاستخدام، بينما يمكن اعتماد منظومات قيادة تتماشى مع المهمات، وهناك دول عربية أصبحت رائدة في تجاربها القيادية الرشيدة، بعيداً عن الرتابة والعُقم والبيروقراطية. 

 

والأمن العربي مُهدد اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، ومصادر التهديد مُتعددة، منها الجنوح الوقِح للعدوان الإسرائيلي، ورغبته في الهيمنة على المنطقة العربية، ومنها أيضاً أطماع لدول جارة، يعلن بعضها الصداقة والأخوَّة، ويُضمر أطماعاً بالانفلاش والتدخُل في الشأن العربي الداخلي، وهناك طموحات دولية تتعدَّى مسألة حماية المصالح المشروعة، وصولاً إلى فرض سيطرة تُقيِّد السيادة العربية. وكل ذلك وسط هياجٍ مُخيف في العلاقات الدولية، تراجع معه دور الأمم المتحدة، وتعطَّلت قدرة مجلس الأمن الدولي المسؤول عن حماية الاستقرار العالمي، بينما الإمكانيات المالية والتسليحية العربية متوافرة، ولديها خيارات واسعة لتحقيق شيء من التوازن مع العدوان الإسرائيلي، أو مع كل مَن يُضمِر شراً للدول العربية. ولا بد من تطوير معاهدة الدفاع العربي المشترك لعام 1950، لتلحظ رسمياً تشكيل جيش دفاعي عربي له صلاحيات تنفيذية، تختلف عن صلاحيات الجيوش الوطنية، ويمكنه التدخل بقرار من مجلس الجامعة، في الحالات التي تتعرَّض لها الممرات الاستراتيجية العربية للخطر، وفي حالة العدوان السافر الذي قد تواجهه أي دولة عضوة في الجامعة.

 

ولا بد من إخراج التباينات العربية – العربية، أو الصراعات المحورية والحروب الداخلية من المربع الذي تتعطل معه الإرادة العربية المشتركة، فالخلافات البينية مسألة واقعية، وهي موجودة عند كل التكتلات القارية أو الجهوية في العالم، وما بين الدول الأوروبية من تباينات، يفوق بمرات عديدة ما هو موجود على الساحة العربية، لكن المصلحة الجماعية العليا، لها الأولوية على الاعتبارات الوطنية التفصيلية.

 

وتحصين الأمن العربي بمقومات دفاعية مختلفة، قدرٌ لا بد من مواجهته، ولا يمكن لأي استراتيجية دفاعية وطنية أن تتصدَّى بمفردها للتحديات الأمنية العصرية، في ظل الحروب الباردة أو الساخنة التي تجري داخل المساحات العربية، أو في محيطها.

 

أمام الواقع العربي فرصةٌ متميِّزة لتحقيق شيء من التضامن الفعلي، والتغييرات الهائلة التي حصلت في الأشهر الأخيرة – لا سيما في سوريا - ساعدت في إزالة بعض العوائق من أمام مسيرة العمل المشترك. والمخاطر تفرض مواجهة موحدة بالحد الأدنى. أما التلهي بالخلافات والتباينات التفصيلية التي لن تنتهي، فلا تعفي أحداً من المسؤولية، وأي عوامل قوة للوضع العربي العام، يعطي قوة لكل الدول الأعضاء في الجامعة. وقد أثبتت الوقائع أن القدرات الناعمة العربية التي تعتمد على الموارد البشرية وعلى الثروات المالية، وعلى النفط والغاز والمعادن، إضافة لأهمية تأثير الموقع الجغرافي، قادرةٌ على إحداث الفرق، والحفاظ على المكانة العربية، وفرض الحلول العادلة لأزمات المنطقة، لا سيما تسوية القضية الفلسطينية، ووقف جنوح العدوان الإسرائيلي المتفلِّت.  

 

- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق