وزير خارجية إيران عباس عراقجي يكتب في "النهار": غرب آسيا في ملتقى الرّدع الذّكي والديبلوماسيّة الحكيمة - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وزير خارجية إيران عباس عراقجي يكتب في "النهار": غرب آسيا في ملتقى الرّدع الذّكي والديبلوماسيّة الحكيمة - بوابة الكويت, اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025 06:17 مساءً

بوابة الكويت - بقلم: عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية


قبل عقود، حينما طُرِحَت قضية فلسطين كـ"مسألة مركزية" في العالم الإسلامي والفضاء العربي، قلّ من كان يتخيّل أن إيران ستغدو يوماً ما في صميم هذه المسألة، تمارس فيها دوراً حاسماً وفعالاً. أما اليوم، وبعد أيامٍ من طلب الكيان الصهيوني وقفاً مؤقتاً للحرب، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تؤكد فقط موقعها المؤثر، بل أثبتت أنّ تغييراً ملحوظاً طرأ على ميزان القوى في المنطقة.

في ما يتعلق بهذا التحول، لا بدّ من التوقف عند نقطتين مفصليتين؛ أولاً: إنّ المقاومة المقتدرة  التي خاضتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية دفاعاً عن سيادتها ووحدة أراضيها، وردّها الحاسم على العدوان الإسرائيلي في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد أسفر عن انهيار صورة القوّة المصطنعة للكيان الصهيوني الذي طالما استند إلى دعم مطلق من الولايات المتحدة الأميركية وسائر حلفائها. ثانياً: لقد جاء الردّ الإيراني مستنداً إلى القرار الرقم  69/51 الصادر عن الاجتماع الحادي والخمسين لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، والذي أُقرّ بإجماع كل الدول الأعضاء، مُشكّلاً بذلك موقفاً موحداً وتوافقاً جماعياً. وقد اعتبر أعضاء منظمة التعاون الإسلامي أنّ العمليات العسكرية الموجهة ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكّل "عدواناً"، وفقاً للمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، وأكدوا أنّ ما اقترفه الكيان الصهيوني يُعدّ – بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني – "جريمة حرب".

وفي جزءٍ آخر من هذا القرار، طلبت سبع وخمسون دولة إسلامية من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية أن تُدين الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية من قِبل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي، وأن ترفع تقريراً إلى مجلس الأمن بشأن هذا الانتهاك الصارخ والفاضح للمعايير الدولية.

ما يميّز واقع الأمة الإسلامية ومنطقتنا اليوم عمّا مضى، هو أن مشهد التلاحم والوحدة الوطنية الذي شهده المجتمع الإيراني بعد هذه الاعتداءات قد امتدّ إلى الساحتين الإقليمية والإسلامية. ولا نجد مثيلاً لهذه الحالة إلا في عام 1969، حينما أقدم الصهاينة على اقتحام المسجد الأقصى وأضرموا النيران في أجزاء من "أولى القبلتين".

وبرغم أن مجلس الأمن حينها أصدر القرار 271 مديناً بشدة ما ارتكبه الكيان الإسرائيلي، فإن ما كان له وقع أعمق هو قرار "منظمة المؤتمر الإسلامي" بعقد أول قمة إسلامية بشأن فلسطين. 

من وجهة نظري، فإن ما رسّخته قمة الرباط في أيلول / سبتمبر 1969 من اعتبار قضية فلسطين نقطة انطلاق للعمل الإسلامي المشترك، يُعاد تجسيده اليوم من خلال الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الدول الإسلامية، بما أتاح إدراكاً متقارباً بعد عقود، لتؤسس الدول الإسلامية أسساً لحوار جديد وواقعي، يعكس تطلعات شعوبها؛ حوار لا تطغى عليه الانتماءات القومية والطائفية واللغوية، والخلافات السياسية والتنافسات التقليدية والجيوسياسية.

إن مبدأ "حماية الحقوق الجماعية لشعوب المنطقة ودولها" أضحى محوراً مشتركاً في مواقف الدول خلال الأسبوعين الماضيين، وهو ما يطرح تساؤلات جديدة: هل اقتنع العالم الإسلامي بأن يتولّى دوراً فعّالاً في لحظة ظهور نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب وأكثر استقلالاً؟ ألم تصبح قضايا فلسطين والكرامة والتنمية في صدارة الاهتمام الجماعي لدول المنطقة والمجتمعات الإسلامية؟

الأيام الخمسة عشر الأخيرة، أو "أيام الاقتدار"، كانت من جهة، اختباراً لتماسك استراتيجية الردع والديبلوماسية الإقليمية الإيرانية، ومن جهة أخرى، امتحاناً لمدى جدية العالم الإسلامي في التصدي للتهديدات المشتركة. وللمرة الأولى منذ قمة منظمة التعاون الإسلامي في الرباط، يشكّل العالم الإسلامي خطاباً إسلامياً جديداً يتّسم بالواقعية والقوة، لم تتخلّف عنه أي دولة عضو.

إنّ الركيزة الأساسية للردع باتت تتجسّد في التعاون بين دول المنطقة. إن التوافق في مواجهة التهديدات المشتركة، والتفاهم بشأن الاستقرار الإقليمي، والأمن الاقتصادي، ومحاربة الإرهاب بصوره كافة هي المرتكزات الأربعة التي تشكل أركان الطاولة التي ينبغي أن تُدار حولها المفاوضات الديبلوماسية.

 

 

 

 

 

 

إن استجابة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لطلب وقف الحرب تفتح نافذة جديدة للديبلوماسية الشاملة، تمنح جميع الأطراف الراغبة في السلام فرصة لإعادة تقييم مقارباتها. غير أن الدخول في المفاوضات ونجاح  الديبلوماسية يتطلبان مراعاة شروط أساسية.

أولى الخطوات في هذا المسار تتمثل في متابعة قضيتي "ضمان الأمن" و"تحقيق العدالة". أما ضمان الأمن، فلا يتحقق إلا بإضفاء طابع قانوني على طلب وقف الحرب، وتقديم المعتدي ضماناتٍ بعدم اللجوء إلى العنف مستقبلاً؛ وهو أمر كان غائباً في ملفي غزة ولبنان، ما أدّى إلى استمرار الكيان الصهيوني في انتهاك وقف إطلاق النار المتفق عليه، والاستهزاء بالاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط. 
هنا، ينبغي على مجلس الأمن أن ينهض بمسؤولياته وفقاً لما يفرضه ميثاق الأمم المتحدة، وأن يتحرّك بخطى عاجلة وفورية لانتزاع الضمانات اللازمة من الطرف المعتدي. ولا ريب في أن الأعضاء المؤثرين في مجلس الأمن، كالصين وروسيا وأوروبا إلى جانب دول كالبرازيل واليابان، التي تعتبر حماية السلام الدولي من مسؤولياتها، يستطيعون الإسهام بدور بنّاء في تحقيق هذا الهدف.

يجب أن أشير إلى أن بلادي، إيران، دأبت على مدى عقود على الدعوة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية بغية ضمان الأمن الإقليمي، وأظهرت التزامها بهذا التوجّه. وبالتوازي مع هذه الرؤية، من الضروري التركيز على التوافق الجماعي بين الدول الإسلامية، والعمل على صياغة نماذج للتنمية الاقتصادية، من خلال أفكار مثل الاستثمار واتفاقيات التجارة الإقليمية، باعتبارها أدوات لتخفيف التوتر في الظروف الراهنة.

في ما يتعلق بتحقيق العدالة، فإن الفكرة الواردة في الفقرة 2 من القرار 69/51 الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي تُعدّ مجدية؛ إن الإدانة الصريحة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للهجمات التي شنّها الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة على المنشآت النووية السلمية في إيران – كمنشآت نطنز وفوردو وأصفهان – ينبغي أن تتخذ بُعداً عملياً وتنفيذياً. ولا ينبغي أن يُنسى أن المطالبة بصدور هذه الإدانة تأتي في سياق اعتداءات استهدفت منشآت خاضعة بكاملها لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

يمكن النظر إلى ضمان الأمن وتحقيق العدالة في الخطوة الأولى، كمرحلة انطلاق في مسارٍ طويل من شأنه أن يربط بين "لحظة وقف الحرب" و"أفق السلام المستدام". ولا شك في أن منطقة غرب آسيا تقف اليوم عند مفترق تاريخي حاسم: إما الاستمرار في دوامة عنف لا نهاية لها، أو التوجّه نحو سلام راسخ البنيان. لقد آن الأوان لأن يفكر العالم الإسلامي في مستقبل أكثر استقراراً واستدامة، بدلاً من اعتماد سياسات قصيرة الأمد. 

في السياق ذاته، فإن الخطوة الثانية على طريق السلام ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالموقع المحوري للبنان وفلسطين، كدولتين في العالم الإسلامي. ويتطلب هذا التوجه أن تحظى منطقتا غزة ولبنان، اللتان كانتا الأكثر تضرراً من العدوان والقتل والاحتلال المنظم خلال العام ونصف العام المنصرم، باهتمام خاص من جميع الأطراف. 

ترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما سائر الدول الإسلامية، أن الشرط الأساسي لإدارة النزاع هو الوقف الفوري للعدوان والاحتلال ضد غزة ولبنان، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، والمشاركة الجدية من المجتمع الدولي في إعادة إعمار هاتين المنطقتين.

إلى جانب الخطوات التنفيذية البنّاءة المشار إليها، لا بدّ من أخذ مسألة إنشاء وصياغة إطار أو منصّة تنفيذية بعين الاعتبار. إنّ تأسيس هيئة قانونية وحقوقية، مثل "محكمة حقوق الإنسان الإسلامية"، استناداً إلى المبادئ القانونية المعتمدة في العالم الإسلامي، كإعلان القاهرة لعام 1990، يمكن أن يكون متطلباً مكمّلاً في هذا السياق. 

وينبغي أن تحظى هذه المحكمة، على غرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بدعم دولي واسع النطاق. وإنّ إنشاء مثل هذه الآلية من شأنه أن يُمكّن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي من الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في مسار التضامن والعمل المشترك.
إنّ تولّي تركيا حالياً رئاسة منظمة التعاون الإسلامي يُتيح الفرصة لتشكيل لجنة تمهيدية لصياغة النظام الأساسي في أقرب وقت ممكن، وإكساب مسار التعاون بين العالم الإسلامي والمؤسسات الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية، طابعاً منظّماً ومؤسّسياً من خلال التركيز على ملفات محددة كقضية غزة.

من منظور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإنّ السلام والاستقرار الجماعي في غرب آسيا – المنطقة الخالية من الأسلحة النووية – ليس فقط ممكناً وفي متناول اليد من خلال التعاون المشترك في سياق الاهتمام بالمصير الجماعي، بل هو أمر ضروري.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق