نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"عقيدة ترامب" المتأرجحة بين الفوضى والسّلام - بوابة الكويت, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 10:04 مساءً
بوابة الكويت - انتهت الحرب. لم تنتهِ. الجدل مشتعل. المرشد علي خامنئي أعلن انتصار إيران لأنها "لم تستسلم" ونظامها لا يزال قائماً. وبنيامين نتنياهو احتفل بانتصاره لأنه نجح في تحريض الرئيس الأميركي على اتخاذ أكبر عمل عسكري في حياته السياسية، ولأن جيش إسرائيل وجواسيسها جعلوا سماء إيران مفتوحة. لكن دونالد ترامب غضب لأن الطرفين الآخرين لم يعترفا له بأنه "المنتصر الأول" و"الوحيد" في هذه الحرب، فهو الذي سمح بإشعالها وحسمها ثم فرض وقف إطلاق النار، وهو الذي وبّخ نتنياهو بعدما حاول التمرّد، وهو أخيراً مَن هاجم خامنئي لأنه لم يشكره على منع إسرائيل من اغتياله حيث كان "يختبئ".
وبعد التوبيخ إذا بترامب يطالب بوقف "الاضطهاد السياسي" لنتنياهو ومحاكمته بتهم الفساد، أي أنه يتدخّل علناً ومباشرةً في عمل القضاء الإسرائيلي. وقبل وقف إجراءاته لتخفيف العقوبات وبعدها، لا يزال ترامب في حاجة إلى استعادة التفاوض مع إيران، لكن عباس عراقجي نبّهه الى وجوب "مراقبة لسانه" و"التخلّي عن لهجته غير المحترمة" تجاه المرشد إذا كان يريد اتفاقاً. وبعد الضربات غير المسبوقة على المنشآت الثلاث، أصبح ترامب أكثر تشدداً في الحصول على اتفاق "بشروطه"، غير أن طهران تتمهّل.
هذه الحرب كشفت الكثير من التناقضات (البحث عن السلام من دون رؤية) والمفارقات (التمسّك بالنظام الإيراني تجنّباً لـ"الفوضى" مع أن الجميع يريد تغييره) والأكاذيب (كلا الطرفين اعتبرها حرباً "وجودية" برغم أن بعض فصولها خضع لترتيبات متبادلة). ومن التناقضات أن ترامب يريد "إنهاء الحروب"، لكنه أخفق في أوكرانيا وغزّة ولم يشأ منع حرب كان يمكن تفاديها من خلال مفاوضات كانت جارية مع إيران غير أن "الحليف" الإسرائيلي لم يكن راضياً عن مسارها، ولن يرضى عن أي مسار مستقبلي لها، فلا هدف له سوى التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني.
ومن المفارقات أن يواصل ترامب تسفيه أجهزته الاستخبارية (التي عيّن رؤساءها) لأن تقاريرها وخلاصاتها لا تصبّ في "تمجيد" إنجازاته، فطائرات "بي 2" الشبحية وقنابلها الخارقة قامت بالمهمة، أما الحصيلة فقد تكون أو لا تكون بحسب التمنيات، لكن ترامب يريد الإشادات قبل الحقائق، وبطبيعة الحال لا يمكن الاعتماد على ادّعاءات أيّ من طرفَي الحرب للحصول على تقويم مهني للضربات. ومن التناقضات أيضاً أن يؤكّد ترامب بنفسه أن أي يورانيوم عالي التخصيب "لم يُنقل" من فوردو قبل الضربات فيما كان وزير دفاعه ينفي أن تكون هناك معلومات في هذا الشأن، وذلك خلال مؤتمر صحافي خصصه لتأنيب وسائل الإعلام على نشرها تسريبات من تقارير الأجهزة.
وهكذا، فليس مؤكّداً أن الحرب انتهت، ولا مؤكداً أن البرنامج النووي عطب نهائياً أو عُطّل لبضعة شهور أو بضع سنوات. لكن المفارقة الكبرى أن تكون دولة نووية كإسرائيل غير موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي خاضت حرباً "استباقية" للتخلص من سلاح نووي غير موجود بعد لدى إيران، الدولة الموقعة على المعاهدة وتدافع عن برنامجها وعن "سلميّةٍ" لم تستطع أن تقنع أحداً بصدقيتها، فكانت بذلك كأنها استدعت الحرب عليها استدعاءً. ومما كشفته الحرب ذلك الفارق الهائل بين الخطاب والقدرة في أسطورة القوّة الإيرانية حتى عندما وصل الخطر إلى العاصمة، وكان الملالي يبررون زرع ميليشياتهم في خمسة بلدان عربية بأنه "خط دفاع أول عن طهران"، لكن هذا الخط سقط باستثناء جناحه الحوثي المؤثّر جزئياً في الصراع مع إسرائيل.
لا يستطيع المرشد تصريف "الانتصار" في الداخل أو في الخارج، فالاقتصاد الإيراني منهك ومستنزف، والعقوبات قاسية جداً كما ذكّره ترامب الذي ادّعى أنه كان يعمل على تخفيفها ثم تراجع، لكنه قد يخفّفها فعلاً. أما نتنياهو فلا يرى ترجمة أخرى لـ"الانتصار" إلا بإعفائه من المحاكمة وقد يُصار الى إيجاد صيغةٍ ما لذلك، لكنه يريد البقاء في السلطة والتملّص من مسؤولية "7 أكتوبر" ومن تهم الفساد، كما يريد الاستمرار في الإبادة الجماعية في غزّة مع مواصلة الادعاء أن إسرائيل "دولة ديموقراطية". وأما ترامب الذي لم يعد يضيره أن يُوصف بـ"الاستبداد" داخلياً فأصبح موقناً بأن بلوغ أهدافه الدولية رهن ممالأته المستبدّين أينما وُجدوا.
يميل العديد من المحللين الأميركيين وبعض الإسرائيليين إلى أن التشابهات تتكاثر بين ترامب ونتنياهو وخامنئي في سعيهم إلى "الفوضى" الدائمة. وإذ تبرّع نائب الرئيس جي دي فانس باختراع "عقيدة ترامب"، فإنه لم يجد لها محتوى سوى "استخدام القوة العسكرية الساحقة والخروج من صراع قد يصبح طويل الأمد"، مستخلصاً أنها تهدف إلى فرض "السلام" لكنه مدرك استحالة تطبيقها في أوكرانيا، فيما يعتبر نتنياهو أنه هو مَن ألهم ترامب إلى عقيدة "السلام من خلال القوّة" كما يطبّقها في غزّة.
0 تعليق