نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المتحف المصري بتورينو كنز النيل في قلب إيطاليا - بوابة الكويت, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 03:27 مساءً
بوابة الكويت - يُعرف الكثيرون أن مصر هي مهد الحضارة الفرعونية وموطن كنوزها الأثرية العظيمة، لكن ما قد لا يُدركه الجميع هو أن واحداً من أهم وأكبر المتاحف المتخصصة في الحضارة المصرية القديمة خارج مصر يقع في قلب إيطاليا، وتحديداً في مدينة تورينو. يُعد المتحف المصري بتورينو (Museo Egizio di Torino) صرحاً ثقافياً فريداً، ليس فقط لجودة وكمية مقتنياته، بل لأنه يُقدم نافذة شاملة على حياة، فن، وديانة المصريين القدماء، ليُصبح بذلك كنز النيل في قلب إيطاليا. إنه ليس مجرد مكان لعرض الآثار، بل هو مركز بحثي عالمي يُسهم بشكل كبير في فهمنا لإحدى أقدم وأعظم الحضارات البشرية.
تاريخ عريق ومقتنيات لا تُقدر بثمن
تُشكل قصة تأسيس المتحف المصري بتورينو جزءاً لا يتجزأ من سحره. فقد بدأت نواة مجموعته في أوائل القرن التاسع عشر، عندما اشترت مملكة سردينيا (التي كانت تورينو عاصمتها آنذاك) مجموعة كبيرة من الآثار المصرية. مع مرور الوقت، وتحديداً في عام 1824، أسس الملك كارلو فيليتشي هذا المتحف الفريد، ليُصبح من أوائل المتاحف في العالم المخصصة كلياً للحضارة المصرية. توسعت المجموعة بشكل كبير على مدار العقود اللاحقة، بفضل أعمال التنقيب الأثرية التي قام بها علماء آثار إيطاليون في مصر، بالإضافة إلى عمليات الشراء والتبرعات.
يضم المتحف اليوم أكثر من 30,000 قطعة أثرية تُغطي جميع الفترات الزمنية للحضارة المصرية القديمة، من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر الروماني. من أبرز هذه المقتنيات: مومياوات محفوظة بشكل مذهل، توابيت مزخرفة، برديات تُقدم نصوصاً دينية وتاريخية (بما في ذلك بردية تورينو الملكية التي تُعد مصدراً مهماً للمعلومات عن الفراعنة)، تماثيل ضخمة للفراعنة والآلهة، ومجموعة مذهلة من الأدوات اليومية التي تُظهر تفاصيل الحياة في مصر القديمة. تُعرض هذه القطع بطريقة تُسرد قصة الحضارة المصرية بتسلسل زمني وموضوعي، مما يُسهل على الزوار فهم التطورات التاريخية والفنية.
رحلة عبر الزمن: من القرى الفرعونية إلى المقابر الملكية
يُصمم المتحف المصري بتورينو لتقديم تجربة غامرة للزوار، تُشعرهم وكأنهم يقومون برحلة عبر الزمن إلى مصر القديمة. من خلال التجديدات الكبيرة التي خضع لها المتحف في السنوات الأخيرة، أصبحت قاعاته تُقدم عرضاً حديثاً وتفاعلياً للآثار. تُعرض القطع الأثرية في بيئات تُحاكي اكتشافها الأصلي، مع إضاءة مدروسة وشاشات عرض توضيحية تُثري التجربة. يُمكن للزوار استكشاف قاعة "قرية دير المدينة" التي تُقدم لمحة عن حياة العمال والفنانين الذين بنوا مقابر الفراعنة، بما في ذلك الأدوات التي استخدموها والوثائق التي تُسجل حياتهم اليومية.
كما يُقدم المتحف جزءاً مخصصاً للمقابر الملكية، حيث تُعرض محتويات قبور حقيقية، مما يُمكن الزوار من فهم الطقوس الجنائزية المصرية القديمة ومعتقداتهم حول الحياة الأخرى. تُعد قاعة "معرض التماثيل" من أبرز الأقسام، حيث يُمكن رؤية تماثيل ضخمة للفراعنة والآلهة تُبرز مهارة النحاتين المصريين القدماء. هذه التجربة تُناسب جميع الأعمار، وتُقدم رؤية شاملة وعميقة لإحدى أكثر الحضارات سحراً في تاريخ البشرية.
مركز بحثي عالمي وأهمية ثقافية
إلى جانب دوره كمتحف، يُعد المتحف المصري بتورينو مركزاً بحثياً عالمياً مهماً في علم المصريات. يضم المتحف مكتبة متخصصة تُعد من الأغنى في العالم في مجال الدراسات المصرية، ويُجري باحثوه دراسات مستمرة على المقتنيات، ويُشاركون في مشاريع تنقيب في مصر. هذا الدور البحثي يُساهم في الكشف عن مزيد من الأسرار حول الحضارة المصرية، ويُعزز من مكانة المتحف كمؤسسة علمية رائدة.
كما يُلعب المتحف دوراً ثقافياً كبيراً في تعزيز الوعي بالحضارة المصرية القديمة على المستوى الدولي. يُنظم المتحف بانتظام معارض مؤقتة، ورش عمل، وفعاليات تعليمية تُجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. إن وجود مثل هذا الكنز الثقافي في قلب أوروبا يُعزز من الروابط التاريخية والثقافية بين إيطاليا ومصر، ويُبرز كيف تُصبح المتاحف جسوراً للتفاهم بين الحضارات والشعوب، مُحافظةً على إرث الماضي للأجيال القادمة.
في الختام، يُعد المتحف المصري بتورينو تحفة فنية ومعرفية تُعيد تعريف العلاقة بين الحضارة القديمة والعالم الحديث. إنه ليس مجرد مستودع للآثار، بل هو نافذة حية على روح مصر القديمة، تُقدم للزوار فرصة فريدة للغوص في عمق تاريخها، فنها، وديانتها. زيارة هذا المتحف هي دعوة لاستكشاف كنوز النيل في قلب أوروبا، وتجربة ثقافية تُثري الروح وتُعزز من تقديرنا للإبداع البشري عبر العصور.
0 تعليق