نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ياسر حمدي يكتب: الطريق الإقليمي بلع أحلام البنات الغلابة.. - بوابة الكويت, اليوم السبت 28 يونيو 2025 06:57 مساءً
بوابة الكويت - خيم الحزن على قرية كفر السنابسة بالمنوفية بالأمس، بعد مصرع 19 فتاة من عاملات اليومية، وسائق السيارة الميكروباص التي كانت تقلهم من عملهن، انطفئ النور، واتقطف الورد في حادث مروّع على الطريق الإقليمي الدائري، أثناء عودتهن من يوم عمل شاق في أحد المصانع بمدينة السادات، مقابل يومية لا تتجاوز 130 جنيهًا.
شهداء لقمة العيش، خرجن فجرًا بحثًا عن الدخل الحلال، لكنهن لم يعدن لأسرهن، إذ اصطدمت سيارة نقل ثقيل بالميكروباص الذي كان عائد بهن لقريتهن، 19 بنت أعمارهن بين 14، 20 سنة، خرجن لأكل العيش المغموس بالقهر والشقاء والتعب وطلوع الروح في يوم الجمعة! هذا اليوم من المفترض أنه أجازة، لكن خرجن ليرجعن «بيومية 130 جنيه» لكن عدن في صناديق.
طريق المنوفية بلع أحلام هؤلاء البنات الغلابة! 19 روح خرجت للسماء، 19 بيت اتكسر، 19 حلم انتهى على الأسفلت! ياترى كل واحدة منهن كانت بتحلم بإيه؟! وكانت حاسة بإيه؟! ياترى كانت تنادي على من وهى في النزع الأخير؟! ياترى كام بنت وشاب قبلهن وبعدهن سيندهسوا تحت عجلات الفقر والقهر؟! ربنا يرحمهن ويغفر لهن، وإن شاء الله سيجدن الراحة والعدل اللذان فقدناهن على الأرض عند الرحمن الكريم سبحانه وتعالى.
هولاء البنات كل واحدة فيهن شايلة حلم أبوها وأمها على كتفيها، استيقظت عشان تنزل شغلها؛ واحدة عروسة بتجهز نفسها! والثانية بتصرف على إخواتها الصغيرين! والثالثة بتعالج أبوها العيان! كلهن شبه بعضهن «غلابة»، لكن قلوبهن ممتلئة بالأمل.. أمل إن الـ 130 جنيه سوف تسند بيت، ستفعل فرحة، سترسم ابتسامة.
ارتدين ملابس الشغل التي تملء ريحتها التعب، ونزلوا ركبوا الميكروباص الذي يقلهم كل يوم، يشيلهم ويرجعهم.. «الميكروباص» لم يكن مجرد سيارة، بل حكاية كل بنت فيهن.. فيه الضحك الذي على استحياء، والنوم الذي يسرقهن من التعب، والأحلام التي تطير مع صوت الموتور!.
وصلوا المصنع، قضوا يوم طويل، 12 ساعة شغل شاق.. يديهن تشتغل، وعقولهن تفكر: «هعمل إيه بالـ 130 جنيه؟! هجيب لأمي دوا؟! هشتري كراسة لأخويا؟!»، كل لقمة عيش يتحصلن عليها، مدفوع ثمنها من عرقهن وروحهن.
إنتهى اليوم، واستقلوا الميكروباص مرة أخرى، راجعين للبيوت التي تنتظرهن؛ يمكن واحدة من هن كانت ترسل رسالة لأهلها: «مسافة السكة وهكون عندكم»، والثانية كانت بتتصور وهي بتضحك عشان تبعتها لخطيبها، والثالثة بتفكر في الأكلة اللي نفسها تأكلها أول ما توصل، وفجأة.. صوت صريخ يقطع سكون الطريق؛ نور سيارة نقل ثقيل تتحرك بسرعة جنونية.
لحظة واحدة فقط.. والحلم تحول لكابوس؛ الـ 130 جنيه التي كانوا بيدوروا عليها بقت ولا حاجة! الميكروباص تحطم، والضحك تحول لصوت صراخ، والأحلام بقت قصص وحكايات بنحكيها اليوم ونحن نبكي! 19 وردة طفت، 19 بيت اتكسر، 19 حلم إنتهى على الأسفلت.
الأهالي هرولوا مسرعين واقفين مكلومين أمام المشرحة.. لم يستطيعوا تحمل الصدمة، لم يصدقوا إن بناتهن اللائي خرجن في الصباح بفستان الشغل، رجعن في «كفن أبيض»، الأم تنوح وتصرخ: «بنتي! بنتي كانت راجعة عشان تطبخلي.. بنتي كانت بتجيبلي دوايا!»، الأب الذي كان يرى ابنته سند له في الدنيا، بات مكسور ولم يستطيع تجميع أفكاره.
من الذي يعوض الأم التي فقدت ضحكة إبنتها؟! من الذي يعيد لأخواتها الأمان؟! من الذي يشتري للعروسة التي رحلت على الأسفلت الفستان الأبيض؟! الإجابة: «لا أحد»، 19 قصة حزينة، 19 روح زهقت على طريق الموت، و 19 بيت مكلوم لا ضحك فيه ولا صوت! كل هذا من أجل يومية بـ 130 جنيه! ولقمة عيش شريفة.. طريق المنوفية لم يكن مجرد طريق، بل أصبح شاهد على قصة حزن عميق لم تنسى.. الله يرحمكن يا بنات، ويصبر قلوب أهاليكن.
ولكن لابد من تعديل (القانون الجنائي) بشكل عاجل في حوادث الطرق! مع أهمية غلق الطريق الدائري الإقليمي في القطاع الذي يتم فيه الصيانه أمام كافة مركبات الركوب (ملاكي - اجره - اتوبيس) ما عدا مركبات النقل وتحويلهم لمسارات بديله لحين فحص أسباب المصادمات في ذلك القطاع، و إعادة النظر في إجراءات التحويلات، مع إتخاذ إجراءات عاجله تشمل: «تحديد مواعيد للنقل إذا كان من الصعب منع المركبات الأخرى منه - تكثيف الرقابة المرورية لمراقبة السرعات ودراسة تخفيضها مع وضع مهدئات سرعة وكذا تعاطي المواد المخدرة - تثبيت الحواجز الخرسانية بين الاتجاهين - إضاءة كافية بمناطق قطاع الأعمال وكذا التحويلات - مراجعة فنية لقطاع التحويلات».
0 تعليق