خرجْنَ للقمة العيش فعُدنَ في النعوش.. ما بين حادث ميكروباص معدية منشأة القناطر وحادث الطريق الإقليمي الذي أودى بحياة 18 فتاة من قرية السنابسة الفقر والإهمال قاسم مشترك - بوابة الكويت

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خرجْنَ للقمة العيش فعُدنَ في النعوش.. ما بين حادث ميكروباص معدية منشأة القناطر وحادث الطريق الإقليمي الذي أودى بحياة 18 فتاة من قرية السنابسة الفقر والإهمال قاسم مشترك - بوابة الكويت, اليوم السبت 28 يونيو 2025 02:36 مساءً

بوابة الكويت - بين ضفتي نهر النيل وسفوح الطرق السريعة، تسير الحكاية الثقيلة لفتيات خرجن بأحلام صغيرة، وحذاء بلا كعب، للعمل في نهارات قاسية، بحثًا عن لقمة نظيفة لكن الحافلة لم تصل، والمركب لم يعبر، وانتهت الرحلة في نعوش مغطاة بالدموع، محمولة على أكتاف الأهالي، في جنازات لا يُسمع فيها سوى الصراخ والدعاء.

المعدية التي غدرت

ما حدث في حادثي "معدية منشأة القناطر" و"الطريق الإقليمي" لم يكن مجرد حوادث مرورية عابرة، بل كان انعكاسًا فجًّا لمأساة متكررة تعيشها آلاف الفتيات العاملات في الريف المصري، حيث تمتزج الحاجة بالإهمال، والطموح بالخطر، واليومي بالدموي.

في صباحٍ باكر من مايو، انطلقت العشرات من الفتيات العاملات، معظمهن في عمر الزهور، من قراهن في محافظة المنوفية، متجهات إلى منطقة منشأة القناطر بالجيزة، حيث يعملن في مزارع العنب. اعتدن عبور النيل عبر معدية بدائية، لا تتوفر فيها أدنى معايير الأمان، لكنهن لا يعرفن سواها وسيلة لعبور النهر.

2f5fa6e0f8.jpg

في ذلك اليوم، تحرك الميكروباص المعتاد، وركبته 25 فتاة تقريبًا، توقّف السائق عند المعدية التي كانت تنتظر العبور، لكنها لم تكن مؤمّنة بما يكفي. في لحظة إهمال، انزلقت السيارة إلى النهر، ولم تنجُ سوى قلّة. غرقت الفتيات، ومعهنّ صمتٌ طويل عن واقع لا يرحم. انتهت حياة 16 منهنّ على الفور، بينما أُنقذ الباقي بعد جهد بالغ.

c7ca4079c6.jpg

كان مشهد انتشال الجثث صادمًا: وجوه يافعة، شعر مبلّل، عيون مغمضة وكأنها لا تزال تحلم. الأمهات كن يركضن على الشاطئ، لا يسألن عن قوانين، بل عن جثث بناتهن. أحد الآباء قال باكيًا: "كان عندها 15 سنة، خرجت تساعدنا، ماتت قبل ما تعرف يعني إيه حياة".

cba49617b6.jpg

طريق يأكل العابرين

لم تمضِ شهور على الحادث الأول، حتى استفاقت البلاد على فاجعة أخرى. هذه المرة، ليس النيل من ابتلع الحالمات، بل طريق سريع على أطراف الصحراء.

في يوم عادي آخر، كانت سيارة تقل مجموعة من الفتيات المراهقات من قرية السنابسة، في محافظة المنوفية، متوجهات إلى أحد المصانع للعمل بنظام اليومية. انطلقت السيارة باكرًا كالمعتاد، لكن في منتصف الطريق الإقليمي، وقع ما لم يكن في الحسبان: السيارة انقلبت، أو ربما اصطدمت بمركبة أخرى. لم تُعرف التفاصيل بدقة، لكن المؤكد أن الحصيلة كانت مفجعة: 18 فتاة لقين حتفهنّ، دون سابق إنذار.

f565b6942f.jpg

القرية بأكملها غرقت في الحزن. في كل بيت عزاء، في كل بيت نعش. لم يكن هناك مجال لاحتساب عدد الضحايا، بل لكل عائلة شهيدة. سيدة عجوز كانت تهمس: "ربنا ما يكتبها لحد، خدت بنتي وولاد أختي وجارتنا... راحوا مرّة واحدة".

cb5283ce33.jpg

قاسم مشترك: الفقر والإهمال

ما يجمع بين الحادثين ليس فقط العدد أو الفئة العمرية، بل الجذر المشترك: الفقر. هؤلاء الفتيات خرجن للعمل من أجل مساعدة أسرهن، في ظل ظروف معيشية قاسية. لا رفاهية لرفض العمل، ولا وقت للتعليم، ولا خيارات متعددة.

يستيقظن قبل الفجر، يستقللن وسائل نقل متهالكة، يعبرن النهر أو الصحراء، وكل ذلك مقابل 100 إلى 120 جنيهًا في اليوم. هذا ليس عدلاً، لكنه الواقع.

أما الوجه الآخر للمأساة، فهو الإهمال، لماذا تعمل المعديات بدون تراخيص سارية؟ أين الرقابة على وسائل النقل الجماعي؟ كيف يسمح لسائقين غير مؤهلين بنقل أرواح بشرية؟ لماذا لا توجد رقابة صارمة على الطرق الصحراوية القاتلة؟ كل هذه الأسئلة تتكرّر بعد كل كارثة، ثم تنسى، ويعود المشهد من جديد.

5cb538a667.jpg

الكل متهم

في الحادثين لا أحد برئ فالكل متهم، وإن اختذل العقاب في شخص أو حتى بضعة أشخاص فالموضوع أعمق والكارثة أشد، فكل هذا لا يعني أن السلطات المحلية التي تغض الطرف عن التراخيص منتهية الصلاحية، والمعديات غير المؤهلة، وأصحاب العمل الذين لا يوفرون وسائل نقل آمنة أو عقود عمل تحفظ الحقوق، والحكومة المركزية التي لم تضع خطة جادة لحماية العاملات في القطاع غير الرسمي، والمجتمع الذي لا يزال يتعامل مع فقر الفتيات كقَدَرٍ محتوم، لا كمأساة قابلة للتغيير، برآء من دماء تلك الزهور.

ألمٌ بلا تعويض

في كل حادث، تُقال كلمات التعزية، وتُعلن لجان التحقيق، وربما يُحاسَب سائق أو موظف صغير. ثم تُطوى القصة، دون أن يحصل أهالي الضحايا على تعويض عادل، لا ماديًا ولا معنويًا.
الضحايا لا يصبحن رموزًا، ولا تُسمّى الطرق بأسمائهن، ولا تُنشأ صناديق لحماية من تبقّى من زميلاتهن.

هل يكفي أن يُسجن سائق لثلاث سنوات؟ هل يُمكن لثمن حياة فتاة أن يُقدّر بقرار إداري؟ ماذا عن الحياة التي لم تعشها؟ عن السنوات التي لن تُعاش؟ عن الأم التي ستبكي حتى الموت؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق