نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
توزيع الانتصار بالتراضي - بوابة الكويت, اليوم السبت 28 يونيو 2025 06:33 صباحاً
بوابة الكويت - توقفت الحرب الغريبة بين إسرائيل وإيران. الحرب التي كانت تتجمع وترسل صيحاتها منذ عقود، وتدفع بنذرها فوق الإقليم دون أن تحدث، تأجلت كثيراً وتعثرت أمام الحواجز والخنادق وخطوط الدفاع التي زرعها قاسم سليماني في المنطقة وعلى ضفاف الأنهار ومسالك البادية والطرق المؤدية إلى طهران.
الحرب التي كانت أيقونة نتنياهو و"درة التاج" في برنامجه السياسي منذ أكثر من عقد ونصف، والمكون الأساس من أي حملة لليمين في إسرائيل، محمولة على نبوءات توراتية ووعود إلهية تصل في بعضها إلى "نهاية العالم"، القائمة دائماً على اكتشاف "خطر وجودي" على دولة اليهود:
-إنهم يجمعون قنبلة في "قم" في قلب الجبل ويحيطونها بطبقات من الدروع.
خلال العقود الأخيرة تشكلت جبال عميقة أخرى في الطريق إلى طهران، ليس في "فوردو" فقط، ولكن على طول الطريق من البصرة على شط العرب في العراق مروراً بسوريا وأطراف الجولان، وحتى أطراف مزارع شبعا في جنوب لبنان، تأجل كل شيء في المنطقة بانتظار عبور عربة الحرب، الاقتصاد والتنمية والإصلاح والقضاء والسلم المجتمعي والحريات الشخصية وشبكات الطرق واستخراج الغاز، وتهالكت مدن المركز تحت وطأة مقدماتها، وتفككت حواضره الكبرى التي ستعبر دواليبها الثقيلة فوقها، بيروت ودمشق وبغداد، واشتعلت
حروب أهلية وغزوات قبائل وصراع طوائف، وعبثت إسرائيل بحيوات الناس ومصائرهم، وهي تمهد الطريق الى أنفاق "فوردو".
الآن بعد الحرب، التي بدت باهتة تماماً قياساً بالطريق إليها، وأقل تكلفة من حروب الطريق، يمكن سماع صيحات المنتصرين القادمة من كل اتجاه، ومشاهدة احتفالات النصر الموزعة بالتساوي وحسب الحاجة على جسد المنطقة المدمّى، فيما يشبه اتفاقاً بالتراضي.
لا يبدو أن الأشياء تغيرت على الأرض، أعيد تعليق الساعة التي تؤشر على نهاية إسرائيل في طهران، وذهب نتنياهو إلى "حائط المبكى" حيث وضع في شقوق الجدار رسالة شكر إلى الله، ولم ينقطع صيد الفلسطينيين في غزة مع إضافة مصطلح جديد في إحصائيات القتلى "منتظري المساعدات"، الذين يظهرون في نشرات الفضائيات مثل "طائفة" جديدة تضاف إلى العالقين تحت الأنقاض، والمقتولين في مراكز الإيواء، والسكان الرحل المحترقين في مخيمات تظهر على عجل قبل أن تطوى وتذهب إلى حقول قتل أخرى، لم تتوقف عملية "السور الحديدي" في شمال الضفة وتوسعت بحيث تضم طوباس إضافة إلى جنين وطولكرم، وواصل المستوطنون من جماعات "تدفيع الثمن" و"فتية التلال" مداهمة القرى الفلسطينية واحراق البيوت وإطلاق النار على سكانها، بما فيها قتل ثلاثة شبان من قرية كفر مالك شمال رام الله الأسبوع الماضي.
نزلنا هنا في مدن الضفة وقراها عن أسطح البيوت وهبطنا من التلال المشرفة على مدن الساحل، وهدأ رنين الهواتف القادمة بأخبار شهود العيان حول سقوط الصواريخ من قرى الجليل وحيفا ويافا وعكا ووادي عارة.
في توضيح أمور الانتصار يدخل الرئيس الأميركي في مشادة فوضوية تماماً مع تقارير استخبارية أولوية مسربة، تقلل من أثر ضربة قاذفات الـ "بي-2 " على المفاعلات النووية الثلاث، يدافع الرئيس عن "الضربة"، ولكنه عملياً يدافع عن البرنامج الذي يليها، عليها أن تكون "ماحقة" ليتمكن من طرح أفضاله التي تشمل إنقاذ إسرائيل وإنقاذ نتنياهو. على هذه السردية فقط يمكن بناء خطوته الواسعة القادمة، بركائزها؛ التطبيع ووقف إطلاق النار في غزة وتحرير الرهائن وفرض مفهومه عن "السلام"، الرجل الذي واصل إعلان فوزه لأربع سنوات أثناء تولي خصمه بايدن للرئاسة، لن يتراجع في دفاعه العدواني عن مصطلح "محونا فوردو" و"انتهى البرنامج النووي الإيراني" و"الاستسلام غير المشروط"، ونزعة الإطناب اليقينية والمشوشة التي ترافق خطاباته وتغريداته، وسيواصل انتصاره دون توقف.
الأوروبيون من جهتهم يفاقمون الأمر ويتحدثون عن تهريب الإيرانيين لما يقارب نصف طن من اليورانيوم المخصب. ستكون هذه قضية اليوم التالي بالتأكيد، وستتحول إلى دوامة جديدة تحت عنوان "أين ذهب اليورانيوم".
المكان يبدو فارغاً الآن من الحرب، فارغاً من الواقع، رغم أن العالم كان هنا قبل قليل. بينما يتواصل حصر الأضرار، ويتحدث الجميع عن أهداف إسرائيل من حروبها كوحدة قياس لتعريف النصر والهزيمة.
0 تعليق