المهاجر حبيب جعفر يعيد كتابة الأوديسة على النمط اللبناني - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المهاجر حبيب جعفر يعيد كتابة الأوديسة على النمط اللبناني - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 07:38 مساءً

بوابة الكويت - جورج كلّاس*

تتظهَّر الديبلوماسية الاغترابية المواكبة لحركية الهجرة اللبنانية، بنمطيها الملحمي والنضالي، في مضامين كتاب حبيب جعفر "الأوديسة الأفريقية لمهاجر لبناني، سيرة ذاتية"، الذي اصدره وفاءً للبنان و نيجيريا، وشهادة حياة ومزامير وصايا وحِكم مكتوبة بدمع الوجد، بما يتطابق مع صلابته الوطنية ويوافق مقام العصامية وناموس الأخلاقية اللذين يشكلان بيانه الفكري ونهجه الإنساني الانفتاحي، والذي قعَّده ركائز تأسيسية لدور المهاجر ورسالته الحضارية.

بفنية أسلوبية راقية يؤرِّخ المهاجر حبيب جعفر سيرته الذاتية، مُرِسِّماً الحدود بين الهجرة والغربة بما يحرِّضُ على تتّبِع حركية مغامرته في نيجيريا التي أهداها جزءاً واسعاً من حياته فكان وفياً لها شعباً ودولة وتاريخاً ومجتمعاً نضالياً، إلى حدّ الجهر بعصبية الانتماء لها وإحلالها مكانة الرفعة في مقامات الوفاء التي حفرها في مؤلفه "الأوديسة الأفريقية"*، منطلقاً من أريحية جنوبية انطبع بها ابن جويّا، مفاخراً بطلعات هجرته ونزلاتها، مستلهماً من الأوديسة الإغريقية والبطل الأسطوري هوميروس، مشهدياتٍ طبق الأصل جهد لإخراجها ولتطعيمها بمؤثراتٍ وجدانيّة وأناشيد فكرية آسرة للأذهان، قدمها وثيقة وفاء لبلدين حفرا في قلبه مطرحاً؛ مسقط الرأس لبنان ونيجيريا ميدان النضال، كأبدع ما يكون عليه أدب الهجرة، بحلاوات النجاحات ومرارات الجهد والكد والاتعاظ من قساوة الظروف ولذّة النفاذ إلى الضوء بعد عتمات فرضتها أحوال قاسية جعلته يعيش معمودية الدم والدمع وصولاً إلى قمة الهرم!

نجح حبيب جعفر بأن يكون له موقع الصدارة في كتابة أدب الاغتراب اللبناني الحديث من خلال إصداره الأوديسة الأفريقية، مؤرِّخاً لمغامرة الاغتراب والهجرة، الذي لطَّفنا نحن دلالتها بعبارة (الانتشار) تخفيفاً لعذابات الانسلاخ، وتمكيناً من القفز في مجاهل الزمن والتماهي مع قرارات القدر، التي اعتمدها اللبناني هوايةً ومغامرةً ونذوراً بأن ينقش نجاحاته في صخور الزمن.

بأريحية تحكمها هناءة الروح وسلاميّةُ الطبع، يكتب جعفر أوديسته مشدوداً إلى ثلاثية قيم وسَمَتْ أسطورة نجاحه الملحمية التي يسردها بإيقاع أدبي، خالطه الحنين إلى الأرض، والاعتزاز فخراً بصناعة مجتمع موقت، لا وطناً بديلاً، مقدماً شهادته واعترافاته بما له و ما عليه تجاه ما كانت تعنيه الهجرة إلى أفريقيا من جنون المغامرة وجرأة التفاعل مع بيئة ذات خصوصيات نوعية وقدرات متنوعة، مقتحماً مهمة تحويل المجاهل لأن تصبح معالم ذات خصوصية دالة.

رأس تلك القيم، التي بنى عليها مداميك سيرته النضالية هو الوفاء تفاخراً، للأهل وحجارة البيت، بما يعنيه من إنتماءٍ صريح و صلب، وتماجداً بعزَّةِ و أسطوريةِ الانتقال من رتبة المهاجر المغامر إلى مرتبة المغترب الذي راكم تألقاته وحصَّن سمعته، بما يليق بلبنانيته الخالصة وفكره الإنفتاحي ونمطه السلوكي، الهادئ الفكر والهادرِ الحضور.

 

تعليق أمير كانو محمد السنوسي الثاني على الكتاب. (”فايسبوك هاشيت أنطوان”)

 

وهو الحريص، على مدى أناشيد أوديسته، أن يؤكد قيمة الالتزام بالأرض والوطن، مُقعِّداً ركائز  الذاتية اللبنانية بما تحمله من ميزات وتعنيه من تمايزات.
وتبرز العصامية عنده من خلال أمانته لعَرَق الجبين ونقاوة الضمير كقيمة جوهرية، يحتاجها كل صائغ معرفة ومهندس نجاح وباني مجد.
هو المهاجر الذي جاهد وكسب وفكر وكتب على غرار رواد النهضة الذين تركوا بصماتهم ونشروا أدبهم في بلاد الانتشار، وهو الذي لمْ يَقْلْ (أُفٍّ) مرةً، وغالب الدهر ببسمة، متقوياً برَجْواتِ الأهل وسجداتهم المستجابة الدعاء، ومتبرِّكاً بخشعاتِ إيمانية و صلواتٍ وَجديّّة، اعتمرها تاجاً وتشاوفَ بها عباءةً مَجدٍ وحملها صولجان معرفة من على عرش الإنسانية التي آمن بها وبنى من أجلها جسور التواصل بين اللبنانيين وشعوب أخرى كثيرة، مؤمناً من عمق قلبه أن الهجرة مغامرة والاغتراب فرصة نجاح  والانتشار مهمَّة إنسانية.

في مضامين أناشيد هذا السفر التكويني لأدب الذكرى والاغتراب بما رافقه من خيبات وتألقات، تترسَّمُ حدود ديبلوماسية الاغتراب، التي أسهم حبيب جعفر، من خلال إنجازاته وأعماله بتدعيم مفاهيمها ونجاحه بتحديد أصولها وتطوير وظائفها، معتبراً أنّ أبرز مهام المغترب اللبناني هي أن يكون سفيراً تطوعياً لوطنه، تكون أوراق اعتماده مقبولة مسبقاً، مع كلّ ما يتطلبه ذلك من مراسم تكريم وترتيبات احتفاء.

صدور سيرة حبيب جعفر في كتاب، ليس إسدالاً لستارة على مسيرة و مسار، بل  تحفيزاً لنقلة  ارتقائية تنكتبُ أسفاراً غنية بالقيم والمثاليات وتكون دعوة لتمايزات لبنانية، تحكي كل ميزة أسطورة أوديسيّة ينجذب إليها رواد مغامرات النجاح والحالمون بصناعة الخوارق واختراع الأفكار وابتكار إبداعات تليق بشبابنا ونلاقي انتظاراتهم الموسومة بالحرية والحق والكرامة.

في الأوديسة الأفريقية، المكتوبة بروحية لبنانية مستوحاة من الأوديسة الإغريقيّة، يعيد حبيب جعفر صياغة مشهديات التراث الإنساني بعظمته ومهابة دلالاته ليكتب لبنانيته شهادة اعترافات وتبشيراً بالعصامية 
وتشجيعاً على المغامرة وزرع الخير، معتزاً انه اللبناني العاكس الشخصية العاملية الهادئة بسلوكاتها السلامية، والحامل رسالة حضارية ومهمة فكرية ائتُمن على قيمها الحضارية ومعانيها الروحية والإنسانية. إنه أدب الهجرة الذي نستعيد نكهته ونعتز بتصفح فصوله ويحفِّز على شهادات أكثر يعوزها لبنان ويغتني بها تراثنا الأدبي. 
قدَرُ حبيب جعفر ان الغربة كتبته معاناةً، فكتبها سيرة ذاتية وارتقى بها ذخراً يُقرأ ويُعاش. 

*وزير سابق

* حبيب جعفر: "الأوديسة الأفريقية لمهاجر لبناني"، سيرة ذاتية، عن "دار نوفل - هاشيت" 2025، في 324 صفحة، نقلته إلى العرببة ناهد جعفر.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق