الذكاء الاصطناعي والبيئة: أداة لإنقاذ الكوكب أم تهديد بيئي خفي؟ - بوابة الكويت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي والبيئة: أداة لإنقاذ الكوكب أم تهديد بيئي خفي؟ - بوابة الكويت, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 02:00 مساءً

بوابة الكويت - رامز القرا - خبير التحول الرقمي

لم يعد التعامل مع المشكلة البيئية في العالم عموماً، وفي الدول العربية خصوصاً، ترفاً بل أصبحت ضرورة ملحّة. تفاقم شُحّ المياه وتأثير التغير المناخي على الزراعة والبيئة يشكلان تهديداً حقيقياً للمستقبل. وفي خضم هذه الأزمة، برز الذكاء الاصطناعي فرصةً لإحداث تحول نوعي في معالجة هذه التحديات. إلا أنه، كما هو الحال مع أي تقنية، يحمل في طياته أبعاداً خفية قد تكون ذات تأثير مزدوج. وهنا يبرز تساؤل جوهري: هل الذكاء الاصطناعي هو الحلّ، أم بداية أزمة جديدة تؤدي إلى تفاقم الوضع البيئي؟

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة استثنائية على تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالتغيرات، وتقديم توصيات دقيقة تساعد صنّاع القرار على اتخاذ خطوات استباقية وفعالة. وقد بدأت هذه القدرات تتجلى بوضوح في بعض الدول العربية.

على سبيل المثال، في دولة الإمارات، وتحديداً لدى هيئة البيئة – أبوظبي، بدأ توظيف الذكاء الاصطناعي في مراقبة جودة الهواء من خلال شبكة متقدمة من المحطات الثابتة والمتحركة. تقوم هذه الشبكة برصد التلوث لحظياً، حيث تجمع المعطيات تقريباً في كل ثانية. كما تم تطوير نظام إنذار مبكر للتنبؤ بموجات الغبار وتدهور جودة الهواء، ما مكّن الهيئة من التنبؤ قبل 48 ساعة، وأحياناً حتى 72 ساعة. وتُستخدم هذه التنبؤات لتحذير السكان وتوجيه السياسات البيئية.

أما في السعودية فيُستخدم الذكاء الاصطناعي في مشاريع استراتيجية مثل "السعودية الخضراء"، حيث تُحلَّل بيانات الأقمار الصناعية لتتبع حالة الغطاء النباتي وزحف الرمال، وتحديد أفضل المواقع للتشجير. كما تُعد مدينة نيوم نموذجاً مستقبلياً للمدن الذكية، حيث تُدار الموارد البيئية مثل الطاقة والمياه والنفايات بأنظمة ذكية لتحقيق كفاءة قصوى وخفض الانبعاثات.

 

 

 

 

مع ذلك، لهذا التقدم جانب مظلم لا يمكن تجاهله. فالذكاء الاصطناعي – لا سيما نماذجه الكبيرة – يتطلب كميات هائلة من الطاقة لتدريبه وتشغيله. وتشير الدراسات إلى أن تدريب نموذج ضخم واحد قد يُطلق انبعاثات كربونية تعادل ما تنتجه خمس سيارات في عمرها الكامل. وتُفاقم مراكز البيانات هذا الأثر البيئي، نظراً لاستهلاكها العالي للكهرباء، والتي غالباً ما تكون من مصادر غير نظيفة، إضافة إلى استخدامها المكثف للمياه في عمليات التبريد.

وهنا يبرز سؤال محوري: هل تبرر الفوائد البيئية للذكاء الاصطناعي بصمته الكربونية؟ وهل نستخدمه فعلياً لإنقاذ الكوكب، أم نُعيد تشكيل التلوث بصيغة أشد تعقيداً؟

لا يكمن الحل في وقف استخدام الذكاء الاصطناعي، بل في تطويره ليكون أكثر استدامة بتبني مفهوم "الذكاء الاصطناعي الأخضر"، القائم على نماذج أصغر وأكفأ، تُشغّل باستخدام الطاقة المتجددة، وتُصمم لتقليل استهلاك الموارد. كما ينبغي فرض معايير بيئية واضحة على الشركات المطورة، وتشجيع البحوث الهادفة إلى تقليل الأثر البيئي للتقنيات الرقمية.

ختاماً، يبقى الذكاء الاصطناعي أداةً، وتكمن قيمته في طريقة اعتماده. فاستخدامه الأخلاقي والبيئي هو ما يحدد إن كان سيخدم كوكبنا، أم سيُضرّ به. فهل نبني ذكاءً يخدم البيئة؟ أم نستهلك البيئة لبناء ذكاء قد يدمّرها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق