نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من حروب الظلّ إلى الحرب بالأصالة! - بوابة الكويت, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 03:47 صباحاً
بوابة الكويت - في الأشهر القليلة السابقة كان المسرح يتحضر لصراع مباشر بين إسرائيل وإيران، المقدمات كانت واضحة، والأمر كان يحتاج إلى الإجابة عن السؤال متى؟ وليس الإجابة عن السؤال لماذا؟
الآن وقعت الواقعة، واشتبك الطرفان في صراع مباشر، ومعهم انقسم الرأي العام العربي إلى قسمين؛ لا يستطيع أحد أن يجزم نسبة تلك القسمة، ولكنها موجودة، بعضها يضع اللوم كلياً على إسرائيل المعتدية وبعضها يجد مبرّراً للحديث المعاكس، ويرى أنه لو استفادت إيران من الحوار الأميركي-الإيراني لربما كان الجميع تفادوا هذا الصراع المميت.
دول الخليج قاطبة شجبت الاعتداء الإسرائيلي على إيران، وطالبت بضبط النفس، والتحوّل إلى الديبلوماسية النشطة من أجل إيجاد حلول للملفات العالقة، وهي ملفات متعددة، على رأسها الملف النووي، وأيضاً الصواريخ الطويلة المدى، وثالثاً التدخل في شؤون الجوار، فدول الخليج تعرف كم من الأثمان يمكن أن تُدفع في حال استمرار الصراع المسلح.
القضية الجوهرية هنا هي محاولة طرف من الأطراف في هذه المنطقة بناء إمبراطورية جديدة في الوقت وفي الزمن الذي تجاوز فكرة الإمبراطوريات، وارتكنت هذه الفكرة على مقولات تاريخية لم تعد قادرة على حل المشكلات التي تواجه الشعوب، فقد فقدت مبرّر وجودها.
إيران بلد كبير وله تاريخ عريق وأيضاً لديه اقتصاد، رغم الحصار، إلا أنه اقتصاد منتج، وبشر مدربون، فلو تحولت هذه القدرة إلى طريق السلم والتآلف لاستفادت منها شعوب المنطقة قاطبة، الشعوب الإيرانية والشعوب العربية المجاورة، وحتى غير المجاورة.
إلا أن هناك مشكلة تواجه الباحث في هذا الأمر، ولها مدخلان: المدخل الأول هو النصوص، والمدخل الثاني هو السلوك!
في النصوص يتضمّن الدستور الإيراني نصوصاً صريحة وردت في ديباجة الدستور، وأيضاً في بعض موادّه، اختصارها أن الدستور يمهّد الطريق لاستمرار الثورة الإسلامية في الداخل والخارج، ولا يقتصر على حدود إيران، بل يسعى إلى توسيع نطاقها إلى سائر البلدان، وخاصة ما يشار إليه بالمستضعفين في العالم!
المادة الثالثة من الدستور الإيراني وضمن أهداف الدولة تقول: "إعداد الظروف المناسبة لتوسيع العلاقات الأخوية بين المسلمين كافة، ووحدة الشعوب الإسلامية، ودعم المستضعفين في مقابل المستكبرين في العالم".
والمادة الحادية عشرة تقول: "تعتبر الحكومة الإسلامية في إيران أن المسلمين أمة واحدة، وتلتزم ببذل كل طاقتها لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم الإسلامي".
أما المادة 152 حول السياسة الخارجية فتقول: "السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية تقوم على أساس رفض كل أشكال الهيمنة والخضوع وحماية استقلال البلاد والدفاع عن حقوق جميع المسلمين وعدم الانحياز إلى القوى الكبرى، وإقامة علاقات سلمية متبادلة مع الدول غير المعادية".
أما النص المباشر لتصدير الثورة فهو في المادة 154 وتقول: "تعتبر الجمهورية الإسلامية نفسها ملزمة دائماً بالنضال المشروع للمستضعفين في وجه المستكبرين، في أيّ بقعة من العالم". وتضيف هذه المادة نصاً يقول: "ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى"، وهو نصّ ملتبس على أقل تقدير!!
هذه النصوص صريحة أو ملتبسة، هي "نصوص وصاية" وهي بجانب السلوك، شكّلا معاً قلقاً ليس لدى دول الجوار وما بعدها، ولكن أيضاً تشكل قلقاً لشرائح واسعة من شعوب تريد أن تقرر مصيرها بنفسها.
في ما عُرف بالربيع العربي ظهرت كتابات إيرانية كثيرة تقول بأن الربيع العربي هو امتداد للثورة الإيرانية، وقد وجدنا الفشل الذريع لذلك الربيع من جراء التجارب الفاشلة التي خاضتها شعوب المنطقة العربية.
أما المدخل الثاني وهو السلوك، فليس خافياً، حيث مرت سنوات طويلة قامت فيها الجمهورية الإيرانية بدعم وتدريب وتمويل مجموعات من القوى المحلية في عدد من الدول العربية، تتبنّى أفكار الثورة الإيرانية، تحت شعارات مختلفة. وفي كل هذه الدول عطلت أعمال الدولة، وتراجع الاقتصاد، وتمزق النسيج الاجتماعي، وقد انتهت هذه التجربة بخسارة فادحة للجميع كما هو ظاهر للعيان.
الخيار الآخر أن تنظر الدولة الإيرانية بعين نقدية إلى أن التجربة الطويلة أنهكت الاقتصاد الإيراني وأنهكت أيضاً الشعوب الإيرانية وعزلتها، كما أثارت الشكوك من السياسة الإيرانية في الجوار، وفي الغالب تراجعت مؤشرات التنمية في المناطق التي تدخلت فيها إيران، كما أن "النموذج" ليس مغرياً لأيّ عاقل.
كان الأمل أن تتحول الثورة إلى دولة، وهذا الأمل ما زال قائماً، ولكنه يحتاج إلى شجاعة في الداخل الإيراني وإلى القول بأن ما تم قد كفى، وأنه آن الأوان للعودة إلى الدولة الوطنية المسالمة، التي تسعى لبناء تنمية تفيد شعبها، وأيضاً الشعوب المجاورة.
مع الأسف بأن هذا الأمر لم يتم التجاوب معه، وإن قال به القلة من النخب الإيرانية، وتم اختيار العناد السياسي، وهو في الغالب مبنيّ على أوهام، ليس لها علاقة بالواقع المعيش.
إذا نظرنا إلى هذا الصراع اليوم فإن هناك خسارة فادحة للشعوب الإيرانية، وأيضاً خسارة فادحة لشعوب المنطقة، لأن الصراعات، وخاصة المبنيّة على أوهام أيديولوجية، عادة لا تنتج إلا الخيبة.
تلك سردية قد لا يوافق عليها البعض، ولكن بالنظر إلى ساحة المعركة، والإمكانيات المتوافرة فإن الخسارة لا بد واقعة إن استمر الصراع لفترة طويلة؛ خاصة أن هناك رأياً عاماً في عدد من الدول يرى أن من الحكمة ألا تذهب الدولة الإيرانية إلى السلاح النووي لأنه في نهاية الأمر سوف يخلق سباقاً نووياً في المنطقة، ويهدد الأمن والسلامة لكل الشعوب.
من المؤمل أن تتغلب الحكمة في نهاية الأمر، ويصل الجميع إلى قناعة بأن هناك حقوقاً يجب الاعتراف بها كمثل حقوق الشعب الفلسطيني، وحقوقاً أخرى للشعوب التي من حقها أن تعيش بسلام وتسير في درب التنمية دون تهديد أو وصاية.
0 تعليق